إذا استمر الوضع .. سورية خالية من أطباء التخدير بعد 4 سنوات .. والرابطة تدق ناقوس الخطر

أروى شاهين:

يبدو أن مفعول التخدير لا ينفع أطباءه في تسكين معاناتهم المستمرة مع مهنتهم المهددة بالانقراض في سورية ، فرئيس اللجنة العلمية في رابطة اختصاصيي التخدير وتسكين الألم الدكتور فواز هلال تنبأ قائلاً لـ”تشرين ” : إذا استمر الوضع على هذه الوتيرة فإن سورية بعد 4 سنوات خالية من أطباء التخدير .

تنبؤ لم يأتِ من فراغ ، بل تؤكده الإحصاءات المشيرة إلى وجود 900 طبيب تخدير مسجلين في نقابة الأطباء ، لكن المتبقي منهم حالياً حوالي 250 طبيباً فقط يزاولون المهنة في مشافي سورية على امتدادها ، والبقية إما هاجر أو توفي أو تقاعد ، ولا يزال تسرّب هؤلاء الأطباء جارياً ، إذا يسافر ( 3- 5 ) أطباء خارج البلد شهرياً .

كارثة مع وقف التنفيذ

تلك الإحصاءات أدلى بها د. هلال وأكدها لـ” تشرين ” نقيب الأطباء الدكتور غسان فندي ، واللافت أن الطبيبين اتفقا على وجود نقص خطير في أعداد أطباء التخدير في سورية ، إلّا أن د .هلال رأى فيه كارثة تستدعي دق ناقوس الخطر، في حين رأى د. فندي أن سورية ولّادة ، وأعداد أطباء التخدير كارثية فقط في السويداء ودرعا ودير الزور وحلب ، ومقبولة في بقية المحافظات ، موضحاً أن معيار الكارثية في ذلك يقاس على عدد وحاجة الغرف الجراحية الموجودة في كل محافظة إلى أطباء التخدير .

مأزوم قبل الأزمة

كارثية كانت تلك الأرقام أم لم تكن ، المهم لماذا يهاجر أطباء التخدير بهذه السرعة والكم ؟ السبب – حسب الدكتور هلال – أن هذا الاختصاص مأزوم قبل الأزمة من الناحيتين المعنوية والمادية ؛ فالعقل الباطن للناس يرى في طبيب التخدير مصدر القلق الأول مقارنة بالجراح في غرف العمليات الجراحية ، وذلك لأن معظم الأخطاء الطبية تعزى إلى التخدير ، وخاصة في حالات الفشل الجراحي المؤدية للموت ، وسط اعتبار أن طبيب التخدير درجة ثانية لدى الجراح و الجهات الصحية و المرضى على حدٍّ سواء ، في وقت تغيب فيه التوعية بأن طبيب التخدير له دور حيوي ومحوري في غرف الجراحة ولا يقل شأناً عن الجراح لعدد سنوات الدراسة والاختصاص والتصنيف كفئة أولى للعاملين في المشافي الحكومية والخاصة .

” على غبنها ” لا تطبق

على الصعيد المادي يضيف د. هلال : إن طبيب التخدير مظلوم بسبب تبعيته المالية للمشفى, والجراح الذي يتعامل – حسب وصفه – بعقلية متعهّد البناء ؛ فأجور العمليات الجراحية تحدد بالاتفاق بين المريض والجراح ، والأخير هو من يحاسب بقية الكادر الطبي ، وهذا أباح ” أسلوب الصفقة في الغرف المغلقة ” في التعامل المادي للجراحين مع أطباء التخدير وبقية الكادر الطبي ، رغم وجود قرارات واضحة من وزارة الصحة توجب تقاضي طبيب التخدير ثلث أجور العمل الجراحي ، إلّا أن تلك التعرفة “على غبنها” لا تطبق بسبب عدم معرفة طبيب التخدير بالأجر الحقيقي للعمل الجراحي المتفق عليه أصولاً مع المريض ، وفي الواقع يتقاضى الجراح أضعافاً مضاعفة عن تعرفة وزارة الصحة , في حين لا يصل إلى طبيب التخدير ” من الجمل أذنه ” ولا يشتكي أحد منهم خوفاً من الطرد التعسفي وخاصة في المشافي الخاصة ، وهذا ما حدث مع الكثير من الزملاء والزميلات ” .

“مضروبون بحجر كبير ”

منذ 2016 والرابطة – حسب د .هلال – تحذر من فقدان أطباء التخدير في سورية بعد سنوات قليلة ، إلى أن اجتمع 14 طبيب تخدير يمثلون كل المحافظات والهيئات الصحية المدنية والعسكرية مع رئيس الحكومة السابق عماد خميس، وتم صرف مكافأة شهرية تقدر بمئة ألف ليرة , تم رفعها حالياً إلى 200 ألف ، إلّا أنها لا تصرف بشكل روتيني رغم أنها شهرية، بل يضطر الطبيب إلى رفع طلب لصرفها في كل مرة ، عدا عن خضوعها لضريبة دخل عالية تصل إلى 18 % ، وتلك المكافأة أطاحت بالحوافز المادية التي كان يتقاضاها أطباء التخدير في الأقسام الخاصة في المشافي العامة بدل مجهودهم الإضافي، وذلك بسبب اجتهاد وزارة المالية التي منعت الدمج بين تلك المنحة الشهرية والحوافز التي كان يتقاضاها أطباء التخدير، وتفوق قيمتها أضعاف مبلغ المكافأة التشجيعية التي ضربوا بها ” بحجر كبير” تأمين غير عادل

حتى قطاع التأمين ظلم طبيب التخدير – وفقاً لرئيس اللجنة العلمية في الرابطة- فشركات التأمين تعطي للجراح قيمة أتعابه مع المرضى المؤمّنين صحياً مباشرة , في حين تصرفها لطبيب التخدير عبر وساطة إدارة المشفى التي تقتطع منها ما يحلو لها ، وما يحلو لها يصل إلى ( ٨٠ و٩٠ % ) في كثير من الأحيان .

 

عزوف واحتكار نقيب الأطباء الدكتور غسان فندي يضيف لـ ” تشرين ” : إن السبب الرئيس في النقص الحاصل بأعداد أطباء التخدير يرجع إلى ” قلة الوارد ” إلى هذا النوع من الاختصاص، وعزوف خريجي كليات الطب عن الالتحاق به، كاشفاً عن احتكار بعض الأطباء للعمل في القطاع الخاص، رغم أن القانون لا يجيز لطبيب التخدير العمل في أكثر من غرفتين ، إلّا أن هناك من

 

يعمل في أكثر من ٤ غرف ؛ وهذا لا يسمح لغيرهم بالعمل في القطاع الخاص وزيادة وارده المالي.

إنصاف قريب

حالياً – حسب د. فندي – يتم العمل على تشجيع الخريجين للدخول إلى هذا المجال من خلال منحهم عدة ميزات إضافية ، منها التسجيل خارج نطاق المفاضلات و تسهيلات على صعيد الخدمة الإلزامية وغيرها .

وبالنسبة للأطباء المتضررين من المنحة أكد د. فندي أنه تم الفصل بين المنحة والحوافز التي يتقاضاها طبيب التخدير لقاء تعب ومجهود إضافي وتم إصدار قرار بذلك ، في حين يتم العمل حالياً على إصدار قانون يفصل الوحدات التخديرية عن الوحدات الجراحية ، وعليه سيتم إنصاف أطباء التخدير قريباً بوضع سلم جديد لأجورهم وتعرفة جديدة مستقلة عن أجور الجراحين ، و يساق ذلك على آلية التعامل مع شركات التأمين ، وهذا القرار تتم دراسته حالياً في وزارة الصحة ، وسيرفع بعدها إلى اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء ، وفي حال تمت الموافقة يرفع إلى رئيس مجلس الوزراء للتصديق والإقرار .

تعليمات لصيقة

القرار سيصدر ” قريباً ” رغم السمعة غير المحببة لهذه الكلمة في وجدان الناس وخاصة عندما تخرج من فم المسؤول ، لكن لم يتم حتى الآن وضع تعليماته التنفيذية – وفقاً لرئيس اللجنة العلمية في رابطة اختصاصيي التخدير- وهو ما يجعله ” منقوصاً حتى يثبت العكس ” ، فأي قرار لا تلتصق به مباشرة آليات تنفيذية واضحة ورادعة يبقى مجرد حبر على ورق ، فالمشكلة في بلدنا ليست بعدم وجود القوانين أو تطويرها ، فالأخيرة موجودة ومرنة ، لكن الداء الحقيقي في خلل تطبيقها وتأويل تنفيذها على أرض الواقع , كل حسب هواه ووفقاً لمصلحته , وعليه فإن أطباء التخدير لا ينتظرون صدور القرار المأمول بل يلتمسون آليات تنفيذه بشكل ينصفهم مادياً ومعنوياً ، في حين يلتمس المواطن المريض عدم فتح باب آخر لاستغلاله في ” الغرف المغلقة ” , و وحده القانون الرادع بتعليماته التنفيذية ينصف الجميع .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار