صورة المرأة في الإبداع.. هل استطاعت إغناء المحتوى الفني السوري؟
متعبة، مهملة، قوية الإرادة، سيدة نفسها، مهانة، شجاعة، تابعة، مثيرة للفتن والمصائب.. والكثير الكثير من الشخصيات النسائية المتناقضة التي غصت بها الدراما السورية، وسلطت الضوء عبرها على صورة المرأة في المجتمع، وقدمت فيها مختلف النماذج الحياتية خاصة مع بروز تجارب ناجحة للمرأة السورية وشاركت بلمساتها وإبداعها بإغناء المحتوى الفنّي السوري..
أسئلة عديدة تطرح نفسها عن الصورة السائدة والمترسّخة في أذهاننا التي خلقتها الدراما بأشكالها عن المرأة؟ وهل عبّرت الأعمال السورية بشكلٍ حقيقي عن الواقع وعن الحياة، وهل عادلت في تقديم صورتها بشكل صحيح كعنصر فاعل في الحياة السورية، أم حولتها لمجرد سلعة تجارية؟..
متوازنة وموضوعية
يجيب عن بعض هذه الأسئلة الكاتب والإعلامي عمر جمعة الذي أكد أن الحديث عن صورة المرأة في الدراما السورية بات حديثاً مكرراً وعادياً، ذلك أن هذه الدراما بدأت بالتراجع في مجمل موضوعاتها وخياراتها الفنية وتأثيرها على المجتمع، ولم تقدم شيئاً جديداً في طرح أي قضايا جادة، لكن رغم ذلك سنعود إلى القول: استطاعت الدراما السورية خلال مسيرتها أن تقدم وتقارب الصورة والواقع الحقيقي للمرأة إلى حدٍّ ما، سواء أكانت ابنة الريف أم المدينة، قديماً أو حديثاً، فهي مكوّن اجتماعي من مكونات الأسرة، ويكفي أن نستشهد بصورتها المتناقضة في بعض الأعمال الشامية ومن بينها “باب الحارة” وسواه، أو في الأعمال الاجتماعية والمعاصرة كـ”صبايا” و”تخت شرقي” و”صرخة روح” و”شارع شيكاغو”، ففي الجانب الأول هي خاضعة خانعة مستلبة لإرادة الرجل، أما في الثاني فهي منفتحة حدّ الجرأة والتمرد بل وتتحدى إرادة المجتمع.
ويضيف: لن ننكر أن الدراما السورية قدّمت أيضاً صورة مشرقة للمرأة عبر استعادة سير بعض الشخصيات التاريخية كما في مسلسلات: “الزباء” و”العبابيد” و”كليوباترا” و”حرائر”.. وغيرها، فضلاً عن التصدي لمعاناة المرأة على المستوى الفردي أو الجماعي في جملة من الأعمال المعاصرة، بل تسمية بعض المسلسلات ونسبها لأسماء أنثوية مثل: “أمهات”، “نساء صغيرات”، “امرأة من رماد”، “أوراق امرأة”، “بنات العيلة”.. وغيرها.
ولن ندخل هنا في معادلة أو معمعة أنصفتها أم لم تنصفها، إنما سنقول إن الدراما السورية كانت متوازنة وموضوعية في تناول وعرض صورة المرأة وقضيتها، خلا بعض المبالغات هنا أو هناك التي شوهت هذه الصورة وأساءت إليها، أو تلك التي أسبغت عليها هالات القداسة وبدت فيها المرأة خارج مدار دورها الطبيعي كإنسان يصيب ويخطئ.
لم تنصف سينمائياً
ورأى الناقد السينمائي علي العقباني أن السينما العربية لم تفلح -ومن بينها السينما السورية بالطبع- في تقديم أفلام سينمائية تقدم صورة المرأة كائناً اجتماعياً وإنسانياً فاعلاً ومؤثراً وحقيقياً في الحياة كما ينبغي، ليس مرد ذلك في أن معظم صانعي تلك الأفلام رجال، أو أن ما قدمته المخرجات النساء لم يكن عميقاً بما يكفي لتقديم تلك النماذج الإنسانية التي تتحرك أثراً أو حضوراً أو حالة.
وشدد العقباني أن المشهد السينمائي السوري لم ينقل الصورة الحقيقية والمنصفة لها، وذلك بالرغم من حضور المرأة الدائم في جميع الأعمال السينمائية، والدور المهم الذي تقوم به في أدوارها ونجاحها مهما كان دورها ثانوياً، ولأننا هنا في هذه العجالة لا يمكننا تقديم الأفلام السورية كافة وتحليل موقع وواقع المرأة من خلالها فسيتعين علينا الإشارة إلى بعض ما كانت عليه صورة المرأة في سينمانا الوطنية وكيف حضرت، وإن كان أغلبية السينمائيين الذين شكلوا تجارب السينما السورية، والذين تحدثوا في أفلامهم عن المرأة هم من الذكور فإن ذلك لا يمكن النظر إليه بإيجابية أو سلبية، ولكن يمكن التعاطي معه ضمن الإطار الفني أو السينمائي.
وأشار العقباني في حديثه إلى أن السينما السورية العامة على عكس السينما التجارية الخاصة لم تلغ الدور الحقيقي والممكن للمرأة وحقها، وربما نجد في أفلام كثيرة مبالغة في الإعلاء من قيمتها إلى درجة سطرتها، أو جعلها رمزاً، فنقع هنا بين احتمالين إما المبالغة أو التقليل.. وهما حالتان مفارقتان.
ففي بعض الأفلام لم تكن المرأة محور الأحداث ومركزها، ويختصر دورها كشاهدة تتعامل بإحساسها وفطرتها مع كل ما يحدث أمامها من أحداث، ورغم ذلك فلا أحد يأخذ برأيها أو يسألها أو يطلب منها المشورة والعون بالرغم من حكمتها ورجاحة ما تفكر به، وفي أفلام أخرى نجد الأم السلبية الخاضعة المستكينة والمغلوب على أمرها، وربما يكون، لكونها أنثى وامرأة، وبالاً عليها بدل أن تكون ذات خصوصية وتميز، وفي أفلام أخرى تقدم صورة المرأة التي تحاول الخروج من واقعها الصعب لتقع في ظروف أصعب وكأن دائرة القمع متوالية على أرواح النساء أينما حللن..
وقدمت أيضاً باعتبارها المرأة القوية الشديدة الظالمة التي تمارس عنفاً كما يُمارس عليها، وفي أغلبية الأفلام السورية الأم هي الحاضر الأكبر فيها كمرجعية وحضور ومعادل لكل أشكال الحياة الممكنة، وتقدم هنا باعتبارها جزءاً من كل يمارس عليه السلطة والمفاهيم، وقد نراها في أفلام أخرى هي صلبة وقوية وقادرة على مواجهة الإهانات والقمع محاولة الوصول إلى حقها وإنسانيتها وتقدم صورة مهمة عن نقد المجتمع والبنى المتخلفة التي تمارس على المرأة.
واختتم حديثه بأن المؤسسة العامة للسينما في إنتاجاتها الأخيرة ركزت إلى حد كبير على تقديم القضايا المتعلقة بالحرب وتداعياتها على المجتمع السوري وخاصة المرأة، وأولت اهتماماً كبيراً بالقضايا التي تربط المرأة بالإرهاب والحرب من خلال تقديم حالات النزوح التي أجبرت عليها بعض العائلات السورية وخاصة في المناطق التي عاشت نزاعات دموية كبيرة، كانت فيها المرأة هي المعادل الأكبر للصبر والقدرة على التحمل والمواجهة ووقع الألم عليها من كافة الجهات.