خبير الطاقة الدكتور زياد عربش ل”تشرين”: الأزمة الأوكرانية ستسبب لنا بعض الصعوبات لكنها ستخلق فرصاً علينا استثمارها
قال خبير الطاقة الدكتور زياد أيوب عربش في تصريح ل”تشرين”: إن أزمة أوكرانيا الحالية ستتسبب في المرحلة الأولى ازدياد في تعقيد المشهد الاقتصادي على بلدنا الذي يواجه منذ عدة سنوات العقوبات اللئيمة والحصار الخبيث من الدول المتكالبة علينا، حيث منع تواصلنا الاقتصادي مع فضائنا العربي إضافة إلى استمرار الاحتلالين الأمريكي والتركي لأهم منابع تكوين الناتج المحلي السوري وقطع طرق الإمداد والتحويلات المالية وتلاحق العقوبات على الأفراد والمؤسسات والدور السلبي لقوى الأمر الواقع الخارجة عن شرعية الدولة.
وأضاف عربش: إن الحكومة سارعت باتخاذ التدابير الوقائية والتحوط لأي مفاعيل قد تحدث مستقبلاً حيث بدأت الأسعار العالمية لمعظم السلع من منتجات غذائية (وعلى رأسها القمح والزيوت) ومشتقات الطاقة بالارتفاع وبالتالي ستزداد فاتورة الاستيراد مع صعوبات قد تظهر لاحقاً في الإمدادات الدولية والعبور، ما يزيد من صعوبة تأمين السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج. لكن التحوط النقدي والمالي الذي اتخذته الحكومة مؤخراً وإزالة العوائق أمام انسياب السلع سيخفف إلى حد ملموس وطأة ارتدادات الأزمة ولاسيما تسريع التخليص الجمركي للبضائع والسماح للأفراد باستلام حوالاتهم بالعملة الصعبة حتى ٥٠٠٠ دولار ، لكن ذلك يتطلب متابعة التنفيذ لهذه القرارات واتخاذ المزيد منها كاستباق وتحوط لمجريات الأحداث بما في ذلك إدارة العرض والطلب وتقليل الهدر وإعادة تبويب الأولويات بما يضمن استقرار الأسواق وتأمين الحاجات المعيشية، حيث لا يوجد تبرير لحالات التخوف.
وأكد عربش أن مقابل هذه الصعوبات ستبرز لاحقاً فرصاً على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية إضافة إلى الفرص الكامنة التي لا بد من استغلالها نتيجة التنافس الدولي المحتدم.
وعن وضع الطاقة على الصعيد الدولي أوضح عربش أنه بالأساس يعاني من مشكلات جوهرية وبنيوية بتباينات وتمايزات مختلفة بين الدول وذلك حتى قبل جائحة كورونا لتضاف إليها أزمة أوكرانيا وهي “معركة كسر عظم” بين الغرب وروسيا الاتحادية، حيث بدأت أسعار النفط الخام والغاز بالارتفاع منذ نهاية العام الماضي واستمرت لتأخذ منحى تصاعدياً في الأيام الأخيرة ولن تهدأ الأسواق العالمية قريباً حتى لو انتهت الأزمة في الأسابيع المقبلة .
وبالنسبة للاختلالات في أسواق الطاقة العالمية أشار عربش إلى المقولة الشائعة بأن النفط والغاز ستبقيان سلعتين استراتيجيتين بامتياز تبقى صحيحة حتى على المدى الطويل. فالعديد من الدول لم تتمكن من الولوج إلى الطاقات المتجددة كبديل عن النفط والغاز حتى في إنتاج الكهرباء ولم تتحقق على مستوى العالم أهداف التنمية المستدامة بمكونيها الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الطاقة الاحفورية، أو اعتماد جدي لمفهوم الاقتصاد الأخضر، مقابل نجاح بعض الدول في إيجاد بدائل بالاعتماد على الطاقة الكهروريحية والكهروشمسية بنسب متفاوتة.
ومحدودية الطاقة الاحفورية وتمركزها في بعض المناطق دون غيرها سيجعل من أي حدث جيوسياسي أو جيواقتصادي يؤثر في سوق الطاقة سلباً أو إيجاباً حسب الحدث، ففي الأشهر الماضية عاد النشاط الاقتصادي في معظم مراكز الإنتاج العالمي وزاد الطلب على النفط والغاز ومشتقات الطاقة والسلع الأولية( النفط يدخل في ٥٠٠ ألف منتج) وتأقلمت معظم الدول اقتصادياً مع النسخ الجديدة لفيروس كورونا وبدأت الفعاليات الاقتصادية بالعودة إلى الإنتاج.
وأضاف عربش: حتى جاءت الأزمة الأوكرانية لتبين هشاشة نظام الطاقة العالمي ليس فقط كطلب فيزيائي ولكن طرق الإمداد والعبور والنقل والتسويق والتأمين وإعادة التأمين ليصل سعر البرميل من خام برنت أمس إلى ١٠٥ دولارات متجاوزاً الرقم القياسي الذي وصله عام ٢٠١٤، وبالتالي سيشهد العالم وتحديداً في أوروبا تراجعاً شديداً في قطاعات السياحة والطيران والنقل والمطاعم وكل شيء مما يزيد أسعار السلع والخدمات بشكل جوهري، وبالمحصلة ستخسر الدول المستوردة للنفط والغاز إذا لم تتخذ الإجراءات المواكبة والاستفادة من التنافس وتربح الدول المنتجة له وتختلف درجة الربح بحسب قدرتها على إنتاج المواد الغذائية لأن أسعارها ستشهد ارتفاعاً أيضاً، كما ستستفيد الدول التي لديها تحويلات مالية من مغتربيها المقيمين في الدول النفطية.