الموسيقار رضوان نصري: مهنتنا مليئة بِسخافات لا يستطيع أي إنسان تحملها !
بدأ عشقه للموسيقا منذ طفولته التي عاشها في ذلك البيت الدمشقي العريق الذي تجذرت أصوله في موسيقاه فأتت كنغم هادئ يلامس القلب حباً.. عشق وطنه فجاءت معظم موسيقاه مكللة بدفء ذلك العشق، ولم تكن الموسيقا بالنسبة له مجرد نوتات مكتوبة على ورق؛ بل كانت ولاتزال عبارة عن مزيج من الحوارات والأحلام والأمنيات والتناقضات، وهذه بعض من الأعمال الدرامية التي ألف موسيقاها: (عشتار، عناية مشددة، نزار قباني ، رجال تحت الطربوش، بيت جدي، على صفيح ساخن، وشاء الهوى، آخر أيام الحب، رجاها)..
الموسيقار رضوان نصري في حوار صريح مع “تشرين”:
* بحكم دراستك الأكاديمية وخبرتك الطويلة، وتجربتك المهمة في الموسيقى التصويرية؛ كيف تقرأ دور الإعلام في هذا الجانب خاصة مع تكريسه لنجومية بعض الأسماء دون غيرها؟
بشكل عام الإعلام العربي أصبح مأجوراً، وهذا يبدو واضحاً من خلال الظلم الذي يتعرض إليه الكثير من المبدعين والمثقفين، كان هناك في الماضي إعلام يسلط الضوء على من يستحق التقدير، ولكن اليوم نجد حالة من التكثيف الإعلامي تجاه أشخاص على حساب أشخاص أهم .
* هذا يعني أن الإعلام بشكلٍ أو بآخر ظلمك؟
هو لم يظلمني بشكلٍ فعلي، وإنما يحزنني لكونه إعلاماً غير متعدد الثقافات، فهو يتجه للممثل حتى لو كان كومبارساً، وهنا نستنتج أن عمل هذا النوع من الإعلام، يشبه عمل التاجر الذي ينتج بضاعة واحدة لا أكثر.
* لكن لدينا نخبة وإن كانت قلة تعمل في المجال الثقافي وهذا لا نستطيع نكرانها؟
هذا صحيح، أيضاً هذه النخبة التي تتحدثين عنها مظلومة فهم غير مطلوبين من الآخرين.
* ماهي مهمة الموسيقي التصويري عندما يكون أمامه نص درامي، وكيف يستطيع ترجمة ما كتب على الورق وتحويله إلى حالة إبداعية تؤثر في الغير؟
النص الدرامي هو لغة مكتوبة بالأحرف، وتكمن مهمة الموسيقي التصويري في إيجاد لغة تعبّر عنها من خلال النوتات الموسيقية، ولا يستطيع أي موسيقي أن يكون موسيقياً تصويرياً كون هذا الأمر يحتاج إلى الكثير من الجهد والقدرة على ترجمة العمل، وكأنه حكاية وهذا يتم من خلال قراءة النص ككل وزيارة مواقع التصوير والمونتاج، وفي كل عمل هذه الخطوات تمنحني قراءة أوسع وطرقاً جديدة في الموسيقا.. أما عن التعامل مع الممثل؛ فهو بالنسبة لي يشبه الآلة، وكل إنسان يحمل موسيقاه داخله..
* تعاملتَ مع نخبة من المخرجين الذين نعتز؛ بهم أريد من خلالك صفة عن كل مخرج عملت معه؟
الأستاذ هشام شربتجي مخرج مثقف من جميع النواحي الفنية والتقنية, المخرج باسل الخطيب هو مخرج شاعر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حديثاً المخرج باسم السلكا من أكثر الأشخاص عشقاً للموسيقا فهو يكاد أن ينطق موسيقا ويذكرني بالمخرج الراحل حاتم علي.
* لنتحدث عن أجور الموسيقيين في سورية؟
متفاوتة بشكلٍ كبير، وليست متناسبة مع الجهد الذي يقدمه الموسيقي على الإطلاق، ولكن أن أعمل بموهبتي أفضل من العمل بشيءٍ لا أحبه ولا يمسني.. موضوع الأجور بحاجة إلى ثقافة اقتصادية والوعي بقيمة الفن الذي نقدمه.
* هل هناك عمل اعتذرت عنه بسبب عدم الاتفاق بينك وبين الشركة المنتجة؟
طبعاً هناك أعمال انسحبت منها، وعندما لم ينجحوا بإيجاد موسيقي قادر على ترجمة العمل عادوا إلي.. أعتقد هذا ما حصل في مسلسلين: (رجال تحت الطربوش وتخت شرقي)، وهذا يخضع لمزاجية بعض المنتجين كونه هو وليد اللحظة فقط.
* بكل لقاء تتحدث عن تجربتك في مصر ما هو سبب ميولك فنياً إلى هناك؟
بكل بساطة هم يمتلكون حالة احترافية.. بينما نحن نمتلك “حالة فوضوية منظمة” ونحتاج لمئة سنة لنصبح مثل مصر من الناحية المهنية .
* الموسيقي من أكثر الأشخاص حساسية.. إلى أي درجة أنت شخص غير منفصل عن مهنتك ؟
هذه أصعب حالة في الحياة، وفي بعض الأوقات أشعر أن هناك حالة من الانفصام تصيبني كونني أعيش في أربع شخصيات حقيقية وأضطر للتعامل مع الجميع ولا ننكر أن مهنتنا مليئة بالسخافات التي لا يستطيع أي إنسان تحملها، لذلك مضطر أن أجابه هذه السخافة.. وبشكلٍ عام أنا شخص قليل العلاقات، وأبتعد عن الصداقات في الوسط الفني كي لا أقع في مشاكل وأخسر رهان نفسي .
* هل الجمهور السوري يمتلك ذائقة موسيقية رفيعة المستوى؟
الجمهور السوري يمتلك ذائقة فنية من كثرة رفعتها تكاد أن تنقطع!!… عن أي ذائقة تتحدثين ومعظم الجمهور متجه إلى أماكن السهر، وهذا نتيجة طبيعية لغياب الثقل الموسيقي في سورية.
* ماذا عن مدرسة الموسيقا والغناء الحلبية ؟
** اندثرت وماتت قبل وفاة الفنان صباح فخري أقصد من لحظة توقفه عن الغناء وهناك عدد من المغنيين في حلب لكنهم أصبحوا يغنون النمط الرفيع كونهم بحاجة إلى المال والأستاذ صباح معجزة لن تتكرر ولا يمكن لأي شخص أن يكون مثله.
* لماذا تقوم بإنتاج أغانيك في استديوهات خارج سورية؟
من أجل الاستفادة من الثقافة الغربية وتكوين حالة من التمازج بين الثقافات المختلفة، وبشكلٍ عام لا يوجد لدينا استديوهات في سورية.
* من يتبنى رضوان نصري، وما هو مشروعه الثقافي والفني القادم؟
أعمل حالياً على مشروع يخص يائيل قاسم، وعبد الرحمن الحلبي.. أحاول أن أكون أول شخص يقوم بصناعة نجوم في سورية، وهذا جزء من مشروع كبير أتمنى تحقيقه في المستقبل .
* ما هو أثر ظاهرة تحول (تتر) المسلسلات إلى موسيقا تزيينية أو أغاني نجوم بغض النظر عن وظيفتها في العمل؟
هي أغنية ناجحة، ولكن ليست للعمل وهذه مشكلة تتعلق بعقلية المنتج نفسه .
* حدثنا عن تجربتك في الكندوش؟
الجزء الأول لم ينجح، وأعتقد أن السبب هو النص غير المتناسب، والذي يصلح أن يكون توثيقياً أكثر من كونه عملاً درامياً… كان بحاجة الى الكثير من التعديلات لو تمت كان الوضع مختلفاً، لم أتابعه عندما عرض كونني أصبت بالإحباط وتنبأت بفشله منذ البداية، فهو لم يخاطب الأجيال، بل خاطب الناس الذين بعمر ال(80) ولو قُدم هذا العمل قبل (20) سنة كان نجح .
* بعد رحيل الفنان زهير رمضان، هل حاولت نقابة الفنانين تفعيل دور الموسيقا ؟
لم ولن تحاول.. فالموسيقا ليست من أولوياتها! كان لدينا في السابق مهرجان المحبة لكنهم سخّفوه في النهاية.
* إلى أي درجة تشعر بالخذلان؟
مخذول إلى درجة لم أعد أشعر بالخذلان وفقط… قمت بالاعتزال لفترة من الزمن وأصدقائي أعادوني .
* ماذا تعني لك التكريمات؟
** لقد كرمت في سورية وهناك فرق بين عطاء البلد لك أو عطاء أشخاص … ما يعنيني هو بلدي وشعبي.