في الحكايات الكلاسيكية بُعد طفولي، ينتمي إلى عالم الخيال البكر، وعالم المدهش والغريب، وتبدو الحكايات فاغرة الفم تخرج منها كائنات خرافية تشبه لوحات هيرونيموس بوش من القرن الخامس عشر الميلادي: حديقة المتع الأرضية، ولوحة الجحيم، ولوحة ثلاثية العصر الألفي، تبدو لوحات يوش حافلة بحشد من الكائنات الغرائبية التي يشكل كل عنصر فيها حكاية وسردية متكاملة ومتناغمة في جو من الغرابة، وكذلك الأمر عند الراحل مصطفى الحلاج في لوحاته كلها وبشكل خاص في لوحته المحروقة “الملحمة الفلسفية” حيث إن كائنات الحلاج العجائبية هذه تشكل سردية فنية حافلة بالخيال الذي يتحرك فوق الأرض وتحت الأرض في تناغم مدهش غير ملوّن.
إن الحكاية لها جذر أصيل لا يزال قائما وقد طرأت على أغصانها انزياحات إضافية عبر الزمن حتى عصرنا الحديث. لقد امتزج السرد بالغرابة والمدهش وهي تسميات قديمة وجديدة، ففي تراثنا الإخباري السردي وفرة كبيرة من الخيال الغرائبي، وليس أدل على ذلك من كتاب القزويني: “عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات” ونرى هنا هذا الجمع الذكي في العنوان بين العجائب والغرائب، وفي النقد المعاصر يطلقون على هذا النوع من الأدب بالأدب الغرائبي أو الأدب العجائبي بعد أن تراجعت الواقعية السحرية، كما نلاحظ أن النقد المعاصر يتحاشى وصف الأدب الغرائبي أو العجيب بالأدب الخرافي، وانحسر هذا الوصف ليلصق بنوع من الحكايات الطفولية الشعبية الشفهية والمكتوبة أو المدونة كجزء من الفلكلور الحكائي للشعوب. وحقيقة الأمر يوجد تداخل بين هذه الأوصاف كما يوجد بعض الفروقات الطفيفة، ولكنني أعتقد ان الأصل ينبع من الحكايات القديمة القائمة على الخيال الأولي الذي ظل يغذي خيالنا المعاصر.
لبورخيس كتاب قصصي فريد من نوعه في العصر الحديث بعنوان “كتاب المخلوقات الخرافية” فيه قرابة واضحة الأواصر مع كتاب القزويني السابق الذكر ومع كتاب آخر يعود للقرن الميلادي الثاني وهو كتاب ” الفيزيولوغس” المنسوب للقديس غريغوريوس وهو عن الطبائع المخلوقة، كما أن لإخوان الصفا من القرن الرابع الهجري كتاباً هو “رسالة تداعي الحيوانات على الإنسان” وهو كتاب فلسفي ذو بعد إصلاحي، ويمكن أن نذكر في هذا السياق الحكائي حكايات إيسوب من القرن الأول قبل الميلاد، ورواية أبوليوس: “تحولات الحمار الذهبي” من القرن الثاني الميلادي، وهذا عمل روائي مكتمل العناصر الفنية، وكل الكتب التي تتحدث عن الكائنات الممسوخة تندرج في هذا الجنس ذي البعد الخرافي الطفولي الذي يطعم الآن في عصرنا الحديث بالسخرية والتهكم.. على الرغم من أن السخرية والتهكم والفكاهة كانت موجودة بقوة في الأعمال القديمة التي تتخللها أحياناً رسالة أخلاقية ووعظية أو تربوية، وهكذا نرى ان الخيال الحكائي القديم كان يوظف لصالح هدف أخلاقي بينما نحن اليوم أمام نمط حكائي لا وظيفة تربوية له بل وظيفة جمالية تتعلق بالتشويق وجمالية الحكاية.
إن هذه الغرائبية المعاصرة لا تدير ظهرها للخيال الطفولي وتستثمره في السرد المعاصر، على الرغم من موقف العصر الحديث السلبي من الخيال والعقل الخرافي، لذلك لا تخلو ولا تمل الكتب النقدية الأكثر حداثة من الحديث عن عالم العجائب في كتاب “ألف ليلة وليلة” وحكايات السندباد البحري وكتاب التحولات لأوفيد وهو كتاب عجائبي، وكل الكتب التي تتحدث عن الكائنات المتحولة وتجعل الكائنات تتكلم بلسان الإنسان هي من هذا النوع العجائبي إن لم نقل الخرافي.، وكذلك الأمر في الأدب الذي يثير الخوف والرهبة لدى القراء هو أدب غرائبي وهو موجود بوفرة كبيرة في الأدب العالمي المعاصر.