الفنان محمد صبح مصاب بنوباتٍ فنية!
لعل أجمل ما في الفن هو أنه كالسماء بلا حدود، بلا قواعد أو خطوط حمر، لا يعترف بمكان أو زمان أو حتى شهادات أكاديمية، هكذا عرفنا الشاب محمد محسن صبح وهو من مواليد 1989 من منطقة عين الشرقية ريف جبلة، حاصل على شهادة بكالوريا/إلكترون، تعرفنا إليه عبر فنه المميز المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي لفتَ نظر الفنانين قبل أي أحد إلى موهبة هذا الشاب في الرسم، لكن محمد لم يختر ورق “الكانسون” ليعبر عن موهبته وفكره النافذ بل اختار لأجل ذلك، الأرض والجدران.
“تشرين” التقت صبح الذي حدثنا عن بداياته: “تطوير مهارتي كان ذاتياً وفي عمر مبكر في مجال الحاسوب “تصميم وبرمجة” في فترة كانت إمكانياتي ضعيفة وهي الفترة ما بين 2004 و 2010″
وأضاف: “كنت دائماً أعمل على دراسة الحركة للأجسام بـ”سكيتشات” كانت تنتهي بالحرق بعد كل تنفيذ، وفي الفترة 2010 تقدمت لي عروض للسفر إلى النرويج كان عرضين من أصدقاء مغتربين أجبتهم بالرفض نتيجة لتجذر الانتماء عندي إلى هويتي السورية وكانت البلاد على باب انفراج وتطور كبير في تلك الفترة”.
يتابع: “نهاية ذاك العام اشتعلت الأزمة السورية وكان من الواجب تلبية النداء للالتحاق بالخدمة الإلزامية ومن بعدها الاحتياطية، ولم تكن الحرب والمعارك التي خضتها مع رفاق السلاح في الجيش العربي السوري إلا رسماً يجسد لوحة لن يفهمها إلا من خاض غمارها بتفاصيل صعبة الشرح، وكما يبهر الرسام المشاهد برسم تلك التفاصيل، فالحرب والفن تجمعهما علاقة لطالما كنت أراها في قراءتي التاريخية، الحرب تحتاج صدق الإحساس، وهيبة الوحدة، والجمع بين المنطق واللامنطق، والفكر المتقد، تماماً كالرسم”.
هل نستطيع القول إن الحرب هي من أخرجت الفنان في داخلك؟ يجيب صبح: “الروح البشرية تتجدد وتتطور مع كل تجربة، الإيمان الذي سكنني بعد خروجي من الموت مرات ومرات، وفقداني لرفاق السلاح، والصدمات التي تتعارض مع ما تربينا عليه من محبة وتسامح وإخاء بين السوريين، وجعلتنا نقف وجهاً لوجه مع وحوش بشرية لا تعرف ديناً أو إنسانية، جعلت البقاء على قيد الحياة أشبه بمعجزة تتكرر كل يوم، وأنت تنتظر الموت كل يوم وكل ساعة وكل لحظة، طوال ثماني سنوات، لكني كنت أعلم أننا سننتصر حتى وإن استُشهدت، كانت هذه الفكرة لوحدها كفيلة بأن تدفعني للرسم تحت القصف ورمي الرشاشات والمدفعية، وأثناء التدريبات العسكرية وجدت نفسي تحبو باتجاه طفولتي، وأيام الدراسة حيث كانت دفاتري تمتلئ بنفس الخطوط العشوائية المبهمة أحياناً والواضحة أحياناً أخرى، وكأني أهرب من واقعي نحو الفن، باحثاً عن هويتي الفنية، ومحاولاً أن أجد الطريق إلى صقلها وتنميتها، وما زالت في مرحلة النضوج، ولكني في كل مرة أصاب بها بنوبة فنية، أحاول التمرد على نفسي لأحرر الإنسان الذي في داخلي، فأرى بعينه وأرسم بيده، وأبصم ببصمة روحه الخاصة، الرسم بالنسبة إلي عقيدة وتصوف وعلم وعالم خاص يخلق شيئاً جديداً لنتعلمه كل يوم”
نسأله: هل من الممكن أن يتجه محمد صبح يوماً ما إلى الورق يجيب: “الرسم عشوائي إلى حد التدريب بشكل مباشر. هو مساج عقلي وروحي في آن واحد، الجدران والشارع بالنسبة لي أقرب حالة علاجية للخروج من انطوائية الحرب المتراكمة التي تعود لأسباب عديدة لسنا بصدد ذكرها، لم أكن بعيداً عن الورق لكن كنت أحرق كل عمل أقوم بإنهائه، ثم تغيرت الصورة وأصبحت على شكل شبح يظهر والعامل الجوي يتكفل بإتلافه، كما كلنا ذاهبون يوماً ما”.
يضيف صبح: “أقوم برسم الطلبات المختلفة وذلك للحفاظ على المهارة ودعم نفسي من خلال تجربة مختلف الخامات، خلال الفترة المنقضية استطعت أن أرى أن أسلوبي الخاص قد ولِد لكن يحتاج إلى وقت للنضوج، فكرة النوبة مستمرة وسبق وتحدثت أنها تبحث لرسم جداري يزين المدن وطرقها وهو باب توظيف للفنانين في البلاد، ونحتاج للتبني لنستطيع تطبيق تلك الفكرة بشكل عالي المستوى، اللوحات الجداريّة التي يمكن إحداثها قد تتبنى هوية المكان بشكل خاص أو عام، ولدي كل التخطيط للمشروع، وهنالك العديد من الفنانين المتحمسين والجاهزين في عدة محافظات، لكننا نحتاج لتبن حقيقي للمشروع”.