وجهتا نظر في إحداث الهيئة الوطنية للجودة والاعتمادية
غني عن البيان أهمية منظومة التعليم العالي في تقدم الأمم ونهضتها، وخاصة مستوى تراجع التعليم العالي نتيجة الحرب على سورية، وعلى الخلاف من ذلك، فقد طرأ تطور كبير على بنية هذه المنظومة وفلسفتها في الدول المتقدمة، وأصبح البون شاسعاً بيننا وبينهم، من هنا جاء إحداث الهيئة الوطنية للجودة والاعتمادية.
وجهتا نظر من متخصصين في مجال التعليم العالي تتناولان هذه المسألة بتفاصيل مهمة، تبدأها الأكاديمية والباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب، حيث تؤكد أن الاهتمام بالجودة والاعتمادية بدأ 2005 حيث طُرح مشروع إنشاء مجلس ضمان الجودة والاعتماد، وتم تأليف لجنة دائمة في وزارة التعليم العالي باسم اللجنة العليا للجودة والاعتماد، وبعد عامين (في العام 2007) صدر قرار إحداث مراكز لضمان الجودة في الجامعات الحكومية، تلاه بعدة أشهر صدور قرار بتشكيل لجنة اعتماد للجامعات الخاصة حتى صدر القرار 31 الذي رسم قواعد الاعتماد العلمي وشروط منحه وإلغائه في الجامعات الخاصة.
وتشير سيروب إلى كتابة وثيقة المعايير المرجعية الأكاديمية الوطنية NARS كان أحد أهم أهداف الخطة الوطنية لتطوير برامج ومناهج التعليم العالي في سورية.
أما من الناحية المؤسساتية، فتقول: لا يمكن اعتبار إحداث الهيئة الوطنية للجودة والاعتمادية الصادرة بموجب المرسوم 33 (2021) التجربة الأولى.
فقبل عشر سنوات سبقها صدور المرسوم التشريعي 15 (2012) القاضي بإحداث “مركز القياس والتقويم في التعليم العالي” الذي حلت محله الهيئة الوطنية للجودة والاعتمادية. يضاف إلى ذلك وجود مديرية في وزارة التعليم العالي اسمها “مديرية الجودة والاعتماد”.
والسؤال الذي طرحته “تشرين”: هل بإمكان الهيئة الوطنية للجودة والاعتمادية أن تحقق هدفها كما ورد في مرسوم إحداثها بـ “تطوير منظومة التعليم العالي، وتعزيز التنافسية، بغية الارتقاء بجودة هذه المنظومة، وتعزيز الثقة بمخرجات التعليم العالي محلياً وعالمياً”؟
فالجودة الأكاديمية لها أركانها، التي للأسف قد لا نجدها إلا ضمن النصوص القانونية، لكنها غائبة عند التطبيق. من أهم هذه الأركان استقلالية المؤسسات الأكاديمية، والحرية الأكاديمية.
وأشارت سيروب لوجود إشكالية في التبعية الإدارية للهيئة، وتتساءل: كيف يمكن لجهة مانحة للتراخيص وراسمة للسياسات -وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- أن تكون ذاتها هي المقيّم؟ حيث تتبع الهيئة إلى وزير التعليم العالي، وترفع تقاريرها الفنية إلى مجلس التعليم العالي الذي يضع شروط وقواعد التعيين وقبول الطلاب، والعديد من القرارات المؤثرة على تشكل المخرجات وتنافسية الجامعات، وهو ما يتناقض مع ألف باء الحوكمة التي تشترط استقلالية المقيّم.
لذا كان من الأجدى أن تكون تبعية الهيئة إلى سلطة أعلى من سلطة وزير التعليم العالي، قد تكون مجلس الوزراء، وهو واقع الحال بالنسبة لمصر والأردن.
وأضافت: كيف يمكن إدارة مؤسسة تعتبر المرجعية الوطنية لاعتمادية المؤسسات التعليمية من إداريين فقط وأكاديميين غير متفرغين للعمل فيها- لم تحدد مرتبتهم العلمية؟! وفقاً للمرسوم فإن الهيئة تُدار من خلال رئيس الهيئة ومجلس المفوضين المكون من الوزير رئيساً ورئيس الهيئة وسبعة خبراء أكاديميين.
المتفرغ الوحيد بينهم “رئيس الهيئة” الذي لم يحدد المرسوم -أيضاً- مرتبته العلمية.
وتتساءل سيروب عن مدى إمكانية كادر إداري أن يقيّم علمياً وأكاديمياً العدد الكبير للبرامج الأكاديمية في 8 جامعات حكومية وفروعها تتنوع فيها طرائق التعليم بين مفتوح وأكاديمي وتأهيل وتخصص، و23 جامعة خاصة وفروعها و203 معاهد؟ وهل بإمكان رئيس الهيئة لوحده تنفيذ مهام وصلاحيات المجلس التي تصل إلى 15 وظيفة تحتاج جميعها العمل بشكل يومي، خاصة في الفترة الأولى للإحداث؟!
بدوره د.ناصر ثلاج رئيس جامعة الجزيرة سابقاً، يرى أنه رغم استمرار العملية التعليمية خلال الحرب، إلا أنه اتضح وجود خلل بمنهجية التعليم.
وهو ما يستدعي ضرورة إطلاق مشروع وطني شامل تنموي تعليمي متكامل متعدد الأهداف لتحديث منظومة التعليم ، وهذا لن يتم إلا من خلال عملية جماعية يساهم بها مختلف أطياف الطبقة المتعلمة في الوطن، وقطعاً لا تتم برؤية فردية لأشخاص لم يستطيعوا إدارة ملف التعليم بشكل جيد خلال الفترة السابقة.
ويشير ثلاج أن للهيئات دوراً مهماً في ذلك، من خلال توطين المفاهيم وعدم نقلها بشكل أعمى، كما حدث في نقل التجربة الأردنية في عملية الاعتماد، وتقديسها حتى أنه لم يتم تعديل أي من بنودها، كون الناقل لم يقتبس من هذه التجربة ويؤطرها بما يخدم البيئة التي زرعت بها لاعتقاده أن من وضع هذه النصوص أعلم بها.
ويخلص د. ثلاج لنتيجة مفادها أن اعتماد أي مشروع وطني تعليمي يتناسب مع سورية الغد، يجب أن يكون نتاج عصف ذهني وورشات عمل وحراك اجتماعي متكامل مع حراك اقتصادي ثقافي معرفي وأي مشروع يجب أن يلبي حاجات المجتمع خلال مدة زمنية مع إمكانية أن تتغير الحاجات أو المدد الزمنية، لذلك يجب أن يبنى هذا المشروع بأدوات جيدة تساعد على نجاحه، قائمة على المعرفة لضمان متانة البنيان التعليمي، ولا يجب بأي شكل من الأشكال اعتماد نفس المنهجية التي كانت معتمدة في اختيار الأشخاص من خلال المنفعة الشخصية، وليس الكفاءة وكما يقول أحد الحكماء: بخشب قديم لا يمكن ان تبني سفينة جديدة.