هل الزواج مقبرة الحب؟
إنها مقولة قاسية يرددها المتزوجون عادة وبصيغة التأكيد والحزم، ويكررونها كلما “دق الكوز بالجرة”، وفي كل حين ومناسبة، حتى كأنهم وكلاء نشرها وتوزيعها وإشاعتها، أما غير المتزوجين وفي أفضل الأحوال فيسمعونها بالأذن الصماء فلا يأخذون بها ولا يصدقونها، والمتنورون بيننا يعتبرونها باباً من أبواب (الكذب الاجتماعي) المباح، لذلك اعتدنا سماعها كما اعتدنا اللامبالاة بها، فلا تقطع ولا تتأثر، لذا نظل نرغب في الحب وفي الزواج ممن نحب مطمئنين إلى أننا سنظل نحبّ وأكثر.
لكن ماذا لو كان الزواج فعلاً مقبرة الحب؟.
هل يعني هذا أنه ينبغي على العشاق ألا يكملوا قصص الحب بتأسيس أسرة وبيت وعيلة ؟ كي يبقى الحب نضراً مثل صباح ربيعي؟ وهل يمكن طرح نظرية كهذه والسعي لتسويقها في المجتمع البشري الذي خليته الاجتماعية الأساس هي المؤسسة الزوجية؟ الواقع أن المنطق الشكلي الذي يجمع شتات هذه النظرية، لا يصلح للبناء عليه، وهو في شكليته، غريب على مختلف حالات الزواج والحب والمقابر، فلا الزواج يقتل الحب ولا المقابر تتسع للأوهام، والأجدى القول إن الزواج لا يقتل الحبَّ ما لم يكن هذا الحب ذاته مريضاً وبحاجة ماسة إلى صوت ما ينقذه من يوميات العذاب، أما الحبّ الذي له رونق الدنيا وزينتها والحنان، فلا هو هدف، ولا ينبغي له أن يكون الحب هو التوهج، بينما الزواج هو الصيرورة وهذا يؤدي بنا إلى التفاحة تحملها الشجرة زهرة رقيقة، والزهرة لا تصير تفاحة لمجرد أن هذا هو هدفها، بل هي (تعقد) ثمرة لأن هذا هو صيرورة زهرة التفاح، وتكّور الثمرة وامتلاؤها لا يعني أنها حوت الزهرة، بل صيرورتها، أي تحولها الحي، ومثل التفاحة على بساطته يوضح الحقيقة.. الأشد تعقيداً، أن الزواج هو ترجمة الحب إلى واقع ملموس، كما أن التفاحة هي ترجمة الزهرة وتحولها، أي لا التفاحة تقتل الزهرة ولا الزواج يقتل الحب، ورغم ذلك نسأل نسيمات البساتين المثمرة عن كل ذلك الزهر المتناثر تحت أقدام الشجر كزهر يابس كان بحاجة إلى موت ما.