كلمة مستهتر.. هل وردت في نص مأثور؟
يقول شيخنا الحي الوقور أبو العلاء المعري:
وما أتوقى – والخطوب كثيرة
من الدهر- إلا أن يحل بي الهترُ
والهتر: ذهاب العقل من شيخوخة أو غمٍّ أو مرض، والهترْ: الباطل، والرجل هترْ أي داهية، وتهاتر الرجلان أي ادعى كلاهما على الآخر باطلاً، وهاتره: شتمه بالباطل، وتهاترت الأقوال: تساقطت، أسقط بعضها بعضاً، وفي القاموس «اهتر فهو مهتر – بفتح التاء- شاذ، وقد قيل: أهتر – بالضم ولم يذكر الجوهري غيره، واهتر بالضم فهو مُهتر: أولع بالقول في الشيء، وهتره الكبر يهتره، وفيه أيضاً: المستهتر بكذا على ما لم يسم فاعله».
واهتر: خرف فهو مهتر وهي مهترة، وفي لسان العرب «وإما الاستهتار فهو الولوع بالشيء، والإفراط فيه، حتى كأنه أهتر أي خرف، وفيه أيضاً استهتر فلان فهو مستهتر إذا كان كثير الأباطيل»، ولم يرد الفعل استهتر ولا مستهتر في المعاجم التي بين أيدينا إلا مبنيين للمجهول، وعدم وجودهما في هذه المعاجم هو وحده حجة من يمنعون استعمال هاتين الكلمتين بالبناء للمعلوم، فلا يجيزون أن يقال كما يقول المحدثون: استهتر فلان، أو فلان مستهتر، وهذه الحجة- إن أصبحت لا تكفي وحدها لهذا المنع، لأن المعاجم المتداولة بيننا ليست كل المعاجم، ولأن المعاجم كلها لم تستوعب كل ألفاظ اللغة- فلابدّ كما هو معروف، والمرجع الأول والأعلى هو النصوص المأثورة، وما يشتق منها، وما يُقاس عليها، فهل الكلمة التي يمنعونها وردت في نص مأثور؟
والجواب: نعم، ففي كتاب المفضليات للضبيّ قصيدة للشاعر الجاهلي عبدة بن الطيب منها قوله:
إن الحوادث يحترمن وإنما
عمر الفتى في أهله مستودع
يسعى ويجمع جاهداً مستهتراً
جداً، وليس يأكل ما يجمع
وقد جاءت كلمة الاستهتار في لسان العرب أيضاً، وهي مصدر للفعل «استهتر» سواء بُني للفاعل أو المفعول، فما الذي يحول دون بناء هذا الفعل للفاعل؟ يقول لسان العرب: إن الاستهتار، الولوع بالشيء والإفراط فيه، فإذا تدرجنا في التصريف جاز أن نقول «استهتر» فلان بالشيء، أي ولع به ولعاً وولوعاً واستخف فهو مستهتر به، كما جاز أن نقول «استهتر» به، أي وُلِع به بالبناء للمجهول، ومن هنا يتضح جواب «استهتر» و«مستهتر» وعلاقته بالنص المأثور.