نزيف يقابله عزوف
تفتقر الكثير من المدارس لتوفر الأعداد الكافية من مدرسي بعض الاختصاصات من داخل الملاك، وذلك بسبب التسرب الكبير الذي حدث خلال السنوات الفائتة، توازياً مع استمرار نزيف الكفاءات التعليمية بالاستقالات المبكرة وعلى الأكثر من الاختصاصات النوعية المطلوبة نتيجة ضعف الرواتب، وتوجهها للمدارس الخاصة التي تجذبها بأجورها المغرية.
هذا الواقع، لا شك يثير حفيظة الأهالي بشكل كبير ويدفعهم لطرق أبواب مختلف الجهات ذات العلاقة، من مديرية تربية إلى نقابة معلمين وصولاً لغيرها من الجهات الوصائية بمختلف مستوياتها، وذلك أملاً بالمعالجة وتدارك النقص الذي يتسبب بقاقد تعليمي يؤثر بشكل سلبي على مستوى التحصيل الدراسي لأبنائهم، ويجبر الكثيرين – مكرهين- على اللجوء للدروس الخصوصية بأجورها الملتهبة لتعويض ذلك الفاقد لدى أبنائهم.
فيما مضى كان يتهافت الكثيرون من حملة الشهادات على تقديم طلبات لمديرية التربية من أجل الحصول على ساعات درسية يؤمنون من ورائها دخلاً يسند معيشتهم، وهو لا شك كان في سنوات ما قبل الحرب على سورية جيد أو بالأحرى (محرز)، ومن شدة الإقبال وكثرة الطلبات حينها كان يستدعي نيل تلك الساعات أحياناً توصيات ووساطات من مستويات ليست بقليلة، والمهم بالنتيجة أن مديريات التربية كانت تتمكن بذلك من سدّ أي نقص وبالاختصاصات المطلوبة نفسها وبسرعة كبيرة.
أما مؤخراً، فالأمر أصبح مختلفاً بل وعلى العكس تماماً، حيث إن الإقبال أصبح محدوداً جداً وهناك عزوف شبه تام عن التقدم إلى الساعات، وإن تقدم البعض فلا يقبلون التعيين والدوام إلا بمدارس ضمن محيطهم السكني في مدنهم وبلداتهم، لأن الدوام في غيرها يعني تكبد عناء الانتقال وتحمل إرباكاته والأسوأ ترتيبه أجوراً باهظة عليهم قد تزيد عن قيمة أجور الساعات.
بادر المجتمع المحلي وتشجيعاً منه للمعلمين على قبول التعيين أو التكليف بساعات في غير مناطق سكنهم إلى تحمل نفقات انتقالهم، لكن هذه المبادرات لا تزال محدودة وخجولة وهي مؤقته قد تزول بأي لحظة – أي بلا جدوى على المدى الطويل- الأمر الذي أبقى مشكلة العزوف قائمة.
إن الإسهام بحلّ المشكلة يتم من خلال سدّ أكبر قدر ممكن من الشواغر عبر المسابقة الحالية مع مراعاة توطين التعليم، فتكون إقامة المتقدمين بمكان الشواغر نفسها لا في غيرها، توازياً مع أهمية رفع أجور الساعات للمكلفين من خارج الملاك لتكون مجزية ومحفزة على الإقبال.