في انعطافتها الجديدة.. راميا حامد تُشكّل جوّانيات المرأة بالاعتماد على مسرح الدمى!
هنا دمى لعوب تضجُّ غنجاً وألعاب خفة، والكثير من الإغواءات، وإن كان ثمة خيوط لا تُخفيها راميا حامد في نقلتها الفنية المختلفة عن كل الشواغل الجمالية التي عُرفت بها خلال سنوات تجربتها التشكيلية الأولى.
هنا ثمة مُهرِّج بثوب من لونين، كل لون تأخذ منه الدمى اللعوب لوناً لفستانها، وفيما كل دمية تتجه للون المخالف لفستانها في ثوب المهرج المغلوب على أمره بين نزعتين: الرغبة بالتملك والغيرة القاتلة, بينما في مشهدٍ آخر(لوحة)، تقوم الدمية بالغواية القديمة، تلك التفاحة التي أغوت فيها آدم حواء، وفيما بقيت تفاحة جدّنا آدم عالقة في بلعومه -على ما تسرد الرواية الدينية- غير أن غواية آدم الحديث كانت من نوع تعذيبٍ آخر, ذلك أن آدم اليوم لن يقضَّ من التفاحة ولا “قضّة”، ولن يعلق ببلعومه شيٌ منها. ذلك أن آدمنا مودعٌ في قفصٍ رهيب، وما غواية الدمية بتفاحتها سوى الإيغال في تعذيبه ربما.
صحيح؛ أن حامد في نقلتها الجديدة، والتي هي من جملة نقلات اختبرتها طويلاً لتُفارق المشهد التشكيلي بجملةٍ من الملامح بنت من خلالها عمارتها اللونية والجمالية، بأسلوب وإن تقاطع مع أسلوب آخرين؛ لكن دائماً كانت لها لمستها اللونية الخاصة التي من خلالها منحت هويتها لمجمل أعمالها في مرحلة البداية، وفي الانعطافة الجديدة والتي أول ما يخطر في بال من يقرأ لوحتها؛ أن ثمة فنانة أهم شواغلها المرأة.
وعن ذلك تقول لـ«تشرين»: اخترت المرأة كموضوع أساسي لمعرضي الفردي الأول، ومن ثمّ كانت حاضرة في جميع أعمالي، وفي كل لوحة؛ كنت أقدمها بحالةٍ تعبيرية خاصة، ليس بالمعنى الأكاديمي للمدرسة التعبيرية، وإنما بالفكرة التي أطرحها من خلال اللوحة، وتُضيف: لقد قدمتها كحالةٍ جمالية لا متناهية بأسلوبٍ واقعي حديث يميل في بعض الأعمال للسوريالية، وبعضها الآخر للتعبيرية إضافة لفيض من المشاعر الرومانسية من خلال المزج بينها وبين عناصر من الطبيعة.
تلك المرأة المُفعمة أنوثة بكل جلاء؛ وهو ما يُمكن أن يقرأه المُتابع تأثراً بتجربة الفنان بولس سركو في بعض التفاصيل, تقول عن هذه الحالة، وكنت قد سألتها عن التقاطعات بين التجربتين؟ فتُجيب: بداية لابدّ من التذكير أن كلانا أنا والفنان بولص سركو ننتمي للمدرسة الفنية ذاتها وهي الواقعية الحديثة، هذا في حدِّ ذاته كفيل أن يخلق تشابهاً وتقاطعاً بين أعمالنا، غير أنني سعيت وعملت بجهد لأجد هويتي الفنية الخاصة منذ البداية بعيداً عن تأثري بتجربته وتُضيف: لم أهتم أو أفكر يوماً إلى أين سأصل، أرسم بدافع الشغف، الرسم هو الرئتان اللتان أتنفس من خلالهما، أنا لا أجيد شيئاً في هذه الحياة سوى الرسم، لذلك أعمل بشكلٍ يومي، ولساعاتٍ طويلة، وفي كل لوحة أسعى لتطوير تجربتي سواء من خلال اللون أو الفكرة أو العناصر…إلخ، أكثر ما يهمني هو أن أقدم تجربة جديدة ومختلفة وأن أبني هوية فنية خاصة.
لفت انتباهي والفنانة تخوض في تنويعاتها النسوية، إرفاق قرين حيواني مختلف في كل مرة، وتحديداً كانوا ثلاثة أنواع: الدعسوقة (التي تُسمّى أيضاً “ستّي أم علي” كما تُعرف شعبياً)، ونوع من الحسّون البري يُطلق عليه شعبيّاً (الزكزوك) أظنه أمسى اليوم في طور الانقراض، وأخيراً الغزال.
سألتها: عن سرِّ هذه الكائنات غير التكوين الجمالي الذي يمكن منحه للوحة؟ تُجيب: أعشق طائر الحسون بشكلٍ خاص, أراه الطائر الأجمل والأكثر عذوبة، عندما بدأت برسم لوحات معرضي عن المرأة؛ حاولت أن أجد بديلاً للمشهد التقليدي في معظم اللوحات، وهو اقتران المرأة والرجل في اللوحة ولاسيما في المشاهد الرومانسية، أصبح المشهد مكرراً، لذلك بحثت عن «تيمة» جديدة تحاكي جمال المرأة ومشاعرها، ووجدت الحسون هو الأنسب ويشبه الأنثى كثيراً في رقته، وألوانه وعذوبة صوته، كذلك الأمر بالنسبة للغزال، فالشعراء منذ القدم يتغنون بجمال المرأة ويصفونها بالغزال، هذا ما دفعني لنسج محاكاة رومنسية والمزج بينهما، وكذلك الأمر بالنسبة للدعسوقة؛ التي اخترتها لرمزيتها بحلول الربيع وتجدد الطبيعة، ومازال الطريق مفتوحاً لأستخدم في المستقبل قرائن أخرى، أنا في رحلة بحث طويلة وشائقة استمتع فيها باكتشاف تيمات جديدة من الحياة ومن عوالم المرأة, اليوم يُمكن أن نقرأ ما يُشبه الانعطافة في التجربة، وهي تكاد تكون حادة، بالانتقال من الحالات المُفعمة رومانسية للنساء الجميلات الحالمات, اليوم وكأنها تشتغل على لوحة تعتمد في عمارتها على (فن العرائس) برغم ما يوحي الأمر بالطفولية أو الإحساس الطفلي في اللوحة، إضافة لمسحة كاريكاتورية أيضاً عن هذه الانعطافة تقول: مازلت أرسم المرأة الجميلة الرومانسية، ولكن بعد اشتغالي لمدة ثلاث سنوات وجدت أنني بحاجة لدخول تجربة جديدة، أكتشف من خلالها مناخات وعوالم مختلفة لبناء فضاء لشخصياتي النسائية، ولأخرج من خلالها بأفكار جديدة تعكس عوالم المرأة الداخلية.
بتكوينات جمالية وفكرية؛ وتفتح آفاقاً جديدة أمام لوحتي، وبما أن الفنون تتلاقى، أحببت أن أستعين بفضاء مسرح الدمى بتكوينات لوحتي وألامس من خلالها حالات نفسية واجتماعية نعانيها جميعاً، وتعمدت أن أطرحها بطريقة محببة من خلال شخوص الدمى التي توحي بالطفولة.