الغزو الثّقافي هل هو موجود فعلاً أم إنّه أمر مبالغ فيه؟
في ثقافي أبو رمّانة… “هل هناك غزو ثقافي حقاً أم أننا نبالغ في ذلك حسبما تذكر بعض الصّحف ووسائل التّواصل الاجتماعي” سؤالٌ بدأ به المستشار الثّقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق الدّكتور سيّد حميد رضا عصمتي، مضيفاً: نحن المنتمون إلى هذه الحضارة الموجودة في المنطقة والتي قد نسمّيها الحضارة العربية أو الإسلامية ليست حكراً على العرب أو الإسلام، لكن هذا هو المصطلح المتداول، كنّا في فترةٍ من الزّمن أسياداً على العالم وفي قمّة التّطور والنّمو وهذه حقيقة تاريخية، لكن وبعد بدء ظهور الغرب والثّورة الصّناعية، ومن ثمّ استعمار بلداننا ونهب ثوراتنا تراجعنا كثيراً وتخلفنا عن التّطور سواء في الصناعة أم العلم أم التّكنولوجيا، ولأنّ جذور هذه الثقافة متأصلة فينا بدأنا النّهوض والنّضال وهذا ما لم يعجب العدو فبدأ بردٍ عسكري أدرك لاحقاً أنّه لا ينفع وبدأ يفكّر بخيارات أخرى، وموضّحاً: كيف يكون هناك غزو ثقافي والثّقافة مبنية على التّفاعل والتّبادل؟ وهل تقتصر على أمّة محددة؟ أقول هنا: إنّه علينا الانتباه إلى أنّ التّبادل أمرٌ جيدٌ ولابدّ منه لكن هناك فرق بينه وبين الغزو فالتّفاعل مبني على الاختيار والغرب يفرض علينا ما يريده، والغزو يحدث في حالة الضّعف أمّا التّفاعل ففيه ندّية، الغزو يفرض لاستئصال الثقافة وليست لمساعدتها ولكنّ التّبادل والتّفاعل يتمّ من أجل التّكامل الثّقافي وهذه الفروق موجودة في الغزو والتّبادل والتّفاعل الثّقافي.. إذاً نحن نواجه غزواً حقيقياً وهذا ليس مجرد مصطلح وهو أكثر خطورةً من أي حرب وأي سلاح.
الغزو الثقافي والسينما
وخلال النّدوة التي استضافتها المركز الثّقافي العربي في “أبو رمانة” تحت عنوان: “الغزو الثّقافي.. الفن والثّقافة والإعلام نموذجاً”، قدّم المخرج غسان شميط نموذجاً للغزو الثّقافي عبر السّينما العالمية ولا سيّما الأمريكية، يقول: لابدّ لي من التّنويه بدايةً بأنّ السّينما الإيرانية من السّينما القليلة في دول العالم الثّالث التي استطاعت مواجهة السّينما الغربية المدعومة برأس مالي يهودي، وهي سينما قدّمت مواضيع مختلفة ودعمتها دولها بدعاية قويةً أيضاً، واستطاعت أن تستقطب الشّباب وأسست لمهرجانات ضخمة وخلقت نجوماً كبار قدّموا نمط الشّخصية الأمريكية وهو نمط البطل الإيجابي دائماً، بينما غيره إنسان سلبي وغير واعي وغير مثقف ومتخلف، والأمر المهم أيضاً أنّ هذه الدّول أسست “صندوق دعم السّينما” لاستقطاب السّينمائيين من دول العالم الثّالث والمواضيع التي تناسبهم وخلال الحرب قبلت مهرجاناتهم الأفلام المعارضة للبلد واحتفت بها، بينما أفلامنا منعت من المشاركة، لماذا؟ لأنّهم يريدون إلغاء هويتنا، أنا في مرّات عدّة اشترطوا عليّ أن أحذف اسم المؤسسة العامة للسينما كي يقبلوا عرض فيلمي لكنّي رفضت ذلك.. محاربة أفلامنا كانت قويّة جداً، طبعاً من الصّعب مقارنة إنتاج دول العالم الثّالث وميزانيتها المخصصة لها ومثيلتها المخصصة لفيلم غربي، نحن نبحث عن موضوع إنساني نستطيع إنجازه وفق الإمكانيات المتاحة.. لدينا مشكلات كبيرة جدّاً تبدأ من صالة العرض التي أصبحت بحاجة إعادة تخطيط وبناء والمجمعات الثقافية بحاجة لرأس مال خاصّ.
كلّ هذا الغزو السّينمائي والثّقافي لابدّ له من وسيلة داعمة أيضاً، طبعاً هي وسائل الإعلام المتعددة المسموعة والمقروءة والمسموعة والتي سخّرت وسائل التّواصل الاجتماعي لخدمة أهدافها، لكن كيف نواجه هذا الغزو إعلامياً؟ يقول رئيس اتّحاد الصّحفيين موسى عبد النّور: الغزو الثّقافي في الملبس والمأكل، نحن لا نقول برفض كلّ شيء لكن علينا أن نعرف ما نختار وما يناسبنا، في الماضي كان تأثير الكتاب محدود وكذلك الإذاعة، لكن عندما جاء التّلفاز وصار الغرب يعتمد عليه بشكلٍ كبير، أصبحنا أمام إمبراطوريات إعلامية يحرّكها رأس المال الذي يقدّمه اللوبي الصّهيوني وهو على الأقلّ يحرّك 75 % من هذه المحطّات، الغزو الثّقافي يستهدف منطقتنا بشكلٍ كامل لزرع التفرقة، مستهدفاً البيئات الفقيرة والجاهلة والتي تعاني البطالة وهذه موجودة لدينا، ورافقها إمبراطوريات عربية تخدم هذه الأفكار و85% من هذه المحطّات تموّلها أموال خليجية أو خارجية وتأخذ طابعاً آخر ولها أهداف أخرى، مضيفاً: لقد كانت الحرب إعلاميةً بامتياز، والامبراطوريات الإعلامية العربية تغزو العرب أكثر من الغربية، الدّراما عنصر مهمّ جداً والأعمال الدّرامية تنجز حسب الطّلب ومعظم من يقطن دمشق يعترض على ما تقدّمه الشّاشة عن البيئة الشّامية وهذه تساهم في تدمير التّراث الحقيقي وليس حسب استراتيجية واضحة، مثلاً هناك فيلمان عن حرب تشرين التّحريرية هما “عواء الذّئب” و”العريس” ودائماً نكررهما وهذه مسؤولية المؤسسة العامة للسّينما والهيئة العامّة للإذاعة ومؤسسة الإنتاج الدّرامي، من هنا بعض العبارات تستمر مثل عبارة “ألف حبل مشنقة ولا يقولوا أبو عمر
خاين يا خديجة”، الغزو حقيقي والحرب بدأت إعلامية ومن ثمّ صارت عسكرية ولو لم يكن الشّعب يمتلك الوعي لكانت النتائج أكثر من سيئة.. الغزو يحتاج لمشروع يقابله ويتصدّى له، فهل نمتلك هذا المشروع للمواجهة؟ الأساس هو تحصين المجتمع والبداية من الأسرة علمياً وفكرياً وثقافياً، دور الإعلام كبير جدّاً ويجب أن يمتلك المبادرة وأن يكون لدينا محطّات ناطقة باللغة الإنكليزية وغيرها توضّح الرأي للغرب بحيث يكون الإعلام الوطني هو المرجع في كل ما يتعلّق بالشّأن السّوري.. أمّا بالنّسبة للثقافة، هل نملك مشروعاً ثقافياً لمواجهة الغزو الثّقافي؟.. من عندي الجواب هو: لا، لأنّنا لا نمتلك الإرادة ولا المال.
الحرب ما تزال قائمة وأدواتها في تغيّر، فما نحن فاعلون؟ يوضّح عصمتي: يجب أن نقبل ونعترف بوجود الغزو الثّقافي وندرك أنّ الحرب النّاعمة لها تاريخ وتغيّرت أساليبها اليوم وتطوّرت وشملت كلّ المنتوجات الغربية ونمط حياتها من المأكل والملبس إلى أكثرها تأثيراً وخطورةً ألا وهي وسائل التّواصل الاجتماعي، لذا يجب أن نعرف ما نختار ونعرف العدوّ من الصّديق، وهنا يظهر دور المثقّف في مساعدة الشّباب في اختيار ما يناسب ثقافتنا وعاداتنا وتراثنا اللامادي والمحافظة عليه، ما يخافه العدو أو الغزو الثّقافي هو أننا استطعنا إلى حدّ ما أن نقدّم نموذجاً بديلاً للنّموذج الغربي… الحلّ ليس صعباً وليس مستحيلاً.
أمّا كيف تواجه السّينما هذا الغزو، فيجيب شميط: نواجه الغزو أولاً بتوعية الشّباب والمحافظة على العادات ومحاولة الاستفادة من تجارب دول استطاعت الوقوف في وجه الغزو عن طريق الكابلات أي منع أي محطة معادية تكون موجودة، وأن تحذف الرّقابة بعض المشاهد أو حتّى منع العمل بأكمله، ومحاولة تقديم عروض شهرية أو أسبوعية في المراكز الثّقافية، لكن يبدو أنّ وضع السّينما حالياً لايسمح بذلك وهو بحاجة لفترة طويلة كي يتحسّن ولاسّيما أنّه لا يوجد مشورع سينمائي عربي يمكنه خدمة هذا الهدف.