«بناء الفكر وترسيخ القيم في أدب الطفل» .. في ندوة فكرية
تحت عنوان «بناء الفكر وترسيخ القيم في أدب الطفل»، عُقدت في إطار فعاليات معرض الكتاب السوري، الذي اختتم فعالياته يوم السبت الماضي، ندوة فكرية بمشاركة نخبة من الكتّاب والباحثين، أدار الندوة كل من قحطان بيرقدار والشاعر بيان الصفدي وأريج بوادقجي.
وخلال الندوة تحدثت رئيسة تحرير مجلة «شامة» أريج بوادقجي، في محورها الذي حمل عنوان «بناء القصة.. لبناء فكر الطفل»، عن كيفية مساهمة القصة في بناء طفل متوازن وبناء إنسان المستقبل.
ولفتت بوادقجي إلى أهمية بناء القصة بصورة تكون بعيدة عن ترك أي أثر سلبي على القارئ، مشيرة في مثال على ذلك إلى ضرورة عدم تضمين جميع القصص بشخصية «الأم» مع طفلها إذ إنه ليس جميع الأطفال الذين سيقرؤون هذه القصة أمهاتهم على قيد الحياة على سبيل المثال.
ونوّهت بوادقجي بوجود من فشل في الكتابة للأطفال ومنهم من حاول وجرب الكتابة لهذه الفئة، كما تطرقت إلى المشكلات التي يعانيها أدب الأطفال، وأن السؤال المهم هو: كيف يمكننا تقديم نص قصصي تربوي من دون أن يكون بصورة مباشرة وفجة! إذ إن عمل الكاتب هو أقرب ما يكون إلى عمل المهندس المبدع الذي يمتلك فكرة قديمة يخطط لها ويؤسس لها أساس متماسك ويبدع فيما بعد تصميماً فريداً.
إلى ذلك، ركزت بوادقجي على ضرورة العناية بكل عنصر من عناصر البناء الفني للقصة، ما يمنح النص قيمة مضافة، إما تربوية أو جمالية أو معرفية، وذلك بدءاً من الحدث الذي يجب من خلاله اختيار الفكرة الأصيلة التي تلامس حياة الطفل، والتي تلهمه وتفتح له آفاقاً ليست كقصة عادية، مروراً بالشخصيات التي يجب أن تكون ملهمة وذات أفق، ولا تعتمد التراخي والتكاسل والتركيز على المظهر، وليس انتهاءً بعنصر الحوار الذي يمكن أن يقدم مهارات التواصل السليم حتى حل النزاعات، مع الانتباه إلى موضوع زمان القصة، إذ على الكاتب أن يكون سابقاً لعصره، ومكانها من خلال التركيز على البيئة المحلية، والتراث وأهمية الحفاظ عليه.
بدوره رأى الشاعر بيان الصفدي في مداخلته التي حملت عنوان «رسالة أدب الطفل» أن عيوب الكتابة للأطفال كثيرة، لعلّ من أبرزها: غياب الخصائص – التفكير الخرافي – الامتثالية العمياء – التفرقة بين البشر، إلى جانب ما يحفل به أدب الأطفال العالمي من تجارب تقوم على تمجيد القوة والعنف والمغامرات السخيفة، وعرض قصص الرعب والجريمة والشذوذ، والقصص البوليسية التافهة التي لا تحمل قيمة إنسانية، وليس من هدف وراءها إلا الربح على حساب الأطفال في كل مكان.
وأضاف الصفدي في حديثه عن التحديات الجديدة التي تعترض سبيل أدب الطفل في العالم، ومنها: تطور وسائل الاتصال، وتراجع التعليم، والموضوع الطفلي، ومشكلة اللغة، والوقت، والفقر، وغياب الرؤية.
كما وجه الشاعر الصفدي في ختام مداخلته إلى ضرورة العناية بمستقبل هذا الأدب عبر التخطيط له، ورعاية المسرح، وتفعيل دور الأنشطة الصيفية، وتقديم الأغنية المتكاملة، والبرامج والمسلسلات الهادفة، والعناية بمرحلة ما قبل القراءة، والتأكيد على الاستقلالية، وتنمية الشخصية المتكاملة للطفل من خلال تحفيز خياله وربطه بالعصر، وتأصيل المرح، والاهتمام بمواهبه في الكتابة والرسم.
من جهته استعرض مدير منشورات الطفل في «الهيئة العامة السورية للكتاب» قحطان بيرقدار في مداخلته التي حملت عنوان «نظرات في الشعر الموجّه إلى الطفل»، الأهمية الكبيرة للشعر بين الأجناس الأدبية المعروفة، والدور الذي يلعبه الشعر الموجه إلى الطفل بشكل خاص في تعزيز الجانب الروحي والوجداني لديه، إضافة إلى دوره التعليمي والتربوي البارز.
وبيّن بيرقدار أن الشاعر الذي يكتب قصيدة الطفل لا يفلح في جذبه عبرها «ما لم يكن في الأساس شاعراً موهوباً ومطبوعاً وعارفاً بالشعر وفنونه وأساليبه وأشكاله وأوزانه وقوافيه وصوره وأخيلته، وما لم يكن مطلعاً أشد الاطلاع على سمات الشعر الموجه إلى الطفل، وملماً أيضاً بمفردات عالم الطفل وطرق تربيته وأحلامه وتطلعاته، وقادراً على النطق بصوته والتعبير وفق منطقه الطفولي الخاص».
وأضاف: «أما سِمات الشعر الـموجه إلى الطفل، فهي كثيرة لا ريب، والكلام حولها يطول، ولعل من أبرزها الأوزان العروضية القصيرة السريعة المتنوعة التي تستميل إصغاء الطفل بحركاتها وسكناتها ومحاكاتها لإيقاعات أحاسيس الطفل ومشاعره الخاصة، فتدخله عالم القصيدة، وتوصل إليه مضمونها، وما فيها من جرعات جمالية وقيمية. وموضوعاته كثيرة جداً، ومن الضروري أن تختار بحرص وتأنٍ، وأن تكون ملائمة لمرحلة الطفولة الـمراد مخاطبتها، وأن تعالج على نحو فني مرهف بحيث تبقى روح الشعر هي المسيطرة، لا أن تتحول القصيدة إلى موضوع إنشاء».
واختتم بيرقدار كلامه مؤكداً على وظيفة الشعر الموجه إلى الطفل ودوره في تنمية عاطفة هذا الطفل ومشاعره وأحاسيسه، وفي إدراكه الفرق بين النثر والشعر، ومن ثم الارتقاء بذوقه الفني، وتحفيزه على الإبداع والابتكار.