تحميل أو حرّ
كلما بيتت الفعاليات المصنعة للدواء النيات للمطالبة برفع الأسعار تبدأ بإنقاص عرض عدد من زمره النوعية إلى حدّ الندرة، حتى يعلو صراخ المرضى من عدم توفرها ومناشدة الجهات المعنية التدخل لتأمينها، وهنا يتحقق مراد تلك الفعاليات لتضع أسبابها وشروطها للاستمرار في الإنتاج وتأمين الدواء أمام الجهات المعنية كمسوغات لرفع الأسعار.
وبالفعل هذا ما حدث مؤخراً، حيث تم توجيه الجهات الوصائية بدراسة واقع إنتاج الدواء وصعوباته، وعلى ما يبدو أن زيادة قريبة قادمة في الأسعار لا نعلم نسبتها، إلا أنها لا شك ستزيد من الأعباء على المرضى الفقراء في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها جراء الحرب على سورية.
لكن السؤال الذي يتكرر في كل مرة يتم فيها رفع أسعار الدواء: هل سيتوفر الدواء بالكميات الكافية ويسلم من لعبة الاحتكار والمتاجرة به في السوق السوداء؟
والإجابة يلمسها الجميع من الصيدليات آخر حلقة وصل مع المرضى، حيث يشير بعض الصيادلة إلى أن مستودعات الأدوية أصبحت تضع أمامهم خيارين لا ثالث لهما، يتمثل الأول ببيعهم الأدوية النوعية التي يشتد الطلب عليها بالسعر النظامي لكن مع قبول شرط تحميلهم أصنافاً أخرى الطلب عليها قليل، بينما يتمثل الثاني بقبولهم شراء الأدوية النوعية وحدها لكن بالسعر الحرّ الذي يصل إلى ضعف أو ضعفي النظامي، وعلى ما يبدو أن ما تفعله المستودعات مع الصيدليات يتكرر معها هي الأخرى من المعامل وبالأسلوب نفسه.. بمعنى أن اللعبة لن تنتهي والمريض «المعثر» هو الضحية.
لا يمكن في هذا الشأن إغفال الإشارة إلى ظاهرة تجار «الشنطة» التي تفشت مؤخراً، حيث يجوب أشخاص يحملون أصناف الدواء النوعية المطلوبة بشدة ويعرضونها على الصيدليات بأسعار مضاعفة، والكثير من الصيدليات تستغل ضعف الرقابة وتتسوق منهم ذلك الدواء (واصل) لتفادي عملية تحميل الأدوية واختصار تكاليف بلوغ المستودعات لجلب الدواء الذي يباع للنوعي منه بسعر تجار «الشنطة» نفسه تقريباً!.
ما يحدث على صعيد الدواء لا يحتمل المزيد من التهاون، وينبغي إيجاد طرق داعمة تخفف من تكاليف إنتاجه وانسيابه بدلاً من رفع أسعاره لأنه ليس حاجة كمالية، بل ضرورة آنية ملحة ترتبط بعلاج المريض والحفاظ على سلامته، توازياً مع أهمية الإلزام بإنتاج الأدوية النوعية بما يلبي الاحتياج، وإنهاء حالات الاتجار بالسوق السوداء عبر استنهاض الرقابة الدوائية من سباتها.