ندوة الرواية على هامش معرض الكتاب السوري .. هل الرواية تاريخ؟
اعتبار الرواية تاريخاً، سيدفع من دون شك، إلى الجدل بين المؤرخ الأكاديمي والروائي، فالأول يؤرخ بناء على المكتشفات والوثائق والأحداث الواقعية، أما الثاني فيدخل إلى قلب الحديث ويعمل على هوامشه والجانب المغفل منه، ثم يصب ذلك في قالب فني يكون أقرب إلى الانطباعية باعتبار أن صانعه فرد خضع للتأثيرات العاطفية والفنية.
صحيح أن هناك تفسيراً للتاريخ وتحليلاً للأحداث التي حصلت في غابر الزمان، لكن هذا بحد ذاته يعتبر علماً له مقوماته أيضاً، كما أنه يُبنى على الفرضيات وليس الحتميات، إذ إن القراءات التي تسود في عصر معين كتحليل للتاريخ، يمكن أن تُنسف في عصر آخر بناء على تبدل الباحثين وتغير المعطيات والمكتشفات.
تلك القضية الإشكالية كانت على مائدة الندوة الأولى التي تقام على هامش معرض الكتاب السوري في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، وشارك فيها الدكتور نذير جعفر، وبالنيابة عنه حسام خضور، والروائي خليل صويلح والدكتورة ماجدة حمود، أما إدارة الندوة فكانت للدكتور فاروق اسليم.
ففي حين ركزت مداخلة جعفر على تجربة الكاتب المصري علي أحمد باكثير وعلاقتها بالتاريخ، ذهب صويلح إلى قلب التجربة باعتباره روائياً، فتحدث عن دور التخييل في العمل الروائي وعلاقة ذلك بالتاريخ، كما أشار إلى أهمية حضور الوثيقة إذا ما نحت الرواية باتجاه التاريخ كثيراً. الدكتورة ماجدة حمود تحدثت عن السير الذاتية وهل يمكن اعتبارها تاريخاً، على اعتبار الحضور الكبير للعامل الذاتي فيها.
لقد اعتبر بلزاك نفسه مؤرخ العصر، أما إيميل زولا فهو مؤرخ للحياة الاجتماعية في القرن التاسع عشر، ونجيب محفوظ مؤرخ للقاهرة.. كل هذا يبدو صحيحاً من ناحية حصول المؤرخ الأكاديمي على حقائق تتحدث عن عادات الناس ولباسهم وطبيعة النظام الأخلاقي والقيمي وغير ذلك، خاصة إذا انعدمت المصادر التاريخية الخاصة بعصر ما، لكن من ناحية البتّ بالأحداث المؤثرة تاريخياً والقطع في كيفية حصولها، مثل الحروب والانجازات فهي بحادة إلى وثائق تستند إليها الرواية وليس العكس، وبالتالي فإن هذا الباب يبقى مفتوحاً للاجتهاد عندما نريد أن نحكم أين نجحت الرواية في كشف التاريخ وصناعة تاريخ مواز، وأين كانت بحاجة إلى تدقيق وتمحيص من أجل التأكد من حصول الأحداث على النحو الذي تحدث عنه الروائي.
في تجربة خليل صويلح الروائية الكثير مما يمكن الحديث عنه في هذا الإطار، فهو ابن ريف الحسكة وقد حمل تلك الذاكرة التي نبشها في عدة أعمال روائية، كما فعل الشيء نفسه في أعمال حديثة تناولت ما يجري في الحاضرة، في هذا الفضاء يمكن القول إن مداخلة صويلح في هذه الندوة اتصفت بالتكثيف وإصابة كبد المعنى دون استطالات، وهي صفة ربما اكتسبها من كونه صاحب تجربة سردية وقبلها تجربة شعرية وصحفية.
يقول الروائي المكسيكي كارلوس فونتيس: “أعتقد أن الرواية تمثل الآن تعويضاً للتاريخ، إنّها تقول ما يمتنع التّاريخ عن قوله.. نحن كتّاب أميركا اللاتينية نعيد كتابة تاريخ مزور وصامت، فالرواية تقول ما يحجبه التّاريخ”. ربما يصح هذا القول على كثير من البلدان التي تعرضت لهزات كبيرة من الأحداث بحيث خضع التأريخ لاعتبارات حجبت الحقيقة أو ساهمت في إجراء تعديلات عليها، لكن كل هذا لا يلغي عملية التوثيق التي يمكن القول إنها صاحبة القول الفصل في تأكيد الحقائق بشكل حاسم.