«التّجربة الوطنية في التّرجمة».. بين غياب الإحصائيات وصعوبات حقوق النشر!

استضافت مكتبة الأسد الوطنية على مدار يومين متتالين «النّدوة الوطنية للتّرجمة» التي تقيمها وزارة الثّقافة /الهيئة العامة السورية للكتاب، وذلك بالتّعاون مع جامعة دمشق- المعهد العالي للترجمة، ومجمع اللغة العربية، واتحاد الكتّاب العرب، واتّحاد النّاشرين السّوريين، وكانت هذا العام بعنوان: «التّجربة الوطنية السّورية في التّرجمة».
وفي كلمتها قالت وزيرة الثّقافة الدّكتورة لبانة مشوّح: «نلتقي اليوم كما درجنا كلّ عام للاحتفاء بالتّرجمة فعلاً سياسيّاً ثقافياً ومعرفياً يحمل في زاده إنجازات تحققت ومشاريع يعكف كلّ منّا على إنجازها، وعثرات تجاوزناها، وهموماً ومصاعب لابدّ أن نجد لها حلولاً بما يحقق الرّسالة التي نذرنا أنفسنا لها، وأمّا الإنجازات فهي كثيرة حققناها أفراداً وجماعات، سواءً على الصّعيد الشّخصي أم السّياسي، وكذا الصّعوبات والتّحديات، جهود تضافرت وساعات عمل طوال بذلت وأموال أنفقت لتمكين التّرجمة من المساهمة في عملية الإنماء الفكري والمعرفي والتّنمية الحضارية بكلّ أبعادها وتمكين التّرجمة من أداء دورها وما يرام منها في إزالة الحواجز الثّقافية، بتجاوز العوائق اللغوية وصولاً إلى معرفة أفضل للآخر، تعددت النّظريات والمقاربات والرّؤى التي تتناول الفعل التّرجمي، لكن واقع الحال أن لا أحد يملك وصفة سحرية يعممها كي يعتمدها المترجمون ليخرجوا بأفضل النّتائج فلكلّ نوع من أنواع التّرجمة خصائصه ومقوّماته وشروطه التي ينبغي التّقيد بها والعمل بموجبها وهي خصائص متغيرة حسب اللغة المصدر واللغة الهدف كما أنّها متبدلة تبعاً لنوع النّص المصدر المراد نقله إلى اللغة الهدف».
وفي كلمة المترجمين السّوريين بيوم التّرجمة العالمي، قالت الدكتورة زبيدة القاضي: التّرجمة بوصفها نشاطاً إبداعياً أي أحد مقوّمات الحياة الإنسانية لن تتحقق إلا في جو من السّلام والاستقرار والرّخاء وهذا صعب في الوضع الرّاهن، لذا نحن المترجمين السّوريين ندعو الزّملاء المترجمين العرب والمترجمين في العالم للوقوف إلى جانب سورية في مواجهة العدوان الإرهابي على بلدنا لرفع العقوبات غير القانونية وغير الأخلاقية التي تستهدف شعبنا, والتي أثّرت وتؤثر في الحياة اليومية كما الحياة الثّقافية ونشاط الترجمة في بلدنا.
وتحت عنوان: «مقدمة الترجمة: عتبة إغواء ودليل عمل» عرض الدّكتور وائل بركات بعض النّماذج من كتب مترجمة صادرة عن وزارة الثقافة والهيئة العامة السّورية للكتاب، وتحدّث عن كيفية صياغة المقدمة وما تحويه من معلومات يريد الكاتب إيصالها إلى جمهوره قبل أن يبدأ القارئ بالولوج إلى النّص المترجَم، وكأنّها تشكّل مدخلاً حيوياً لإشراك القارئ بفعل القراءة، كما حاول من خلال ورقة العمل هذه رصد هذا القلق في بعض مقدّمات المترجمين، ليبيّن كيف يصوغون مقدماتهم وما الذي يريدونه منها، وما الآليات التي اتّبعوها والصّعوبات التي واجهوها، وطريقة تعاملهم مع المصطلحات التي استخدموها وغيرها، لما لذلك من أهميةٍ في توضيحِ أفكار العمل، وكشفِ الخبايا التي تحيط به.
الترجمة في اتحاد كتاب العرب
دوره، تحدّث الدّكتور جهاد بكفلوني وتحت عنوان: «زهرات اتحادية من رياض الترجمة» عن حركة التّرجمة في اتّحاد الكتّاب العرب، إذ رأى أنّها حركة مقبولة قياساً إلى ظّروف الحرب الإرهابية على بلدنا، مضيفاً: إنّ عناوين الكتب التي تُرجمت من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية خلال مسيرة الاتّحاد التي تزيد على ٥٠ عاماً، لا يزيد على ١٠٠ عنوان، وهذا كمٌّ متواضع عموماً، منوّهاً بمجلة «آداب عالمية» التي يصدرها اتحاد الكتّاب العرب والتي تُعنى بترجمة النّصوص الأدبية وبعض الموضوعات العلمية عن اللغات الحيّة كالإنكليزية والفرنسية والإيطالية واللغات الأخرى إلى العربية، فضلاً عن جمعية الترجمة التي يحاول الاتحاد عبرها النهوض بالمنتسبين إليها من خلال معاملتهم معاملة الكتّاب.
تعرفة موحّدة!

من جانبه، توقّف حسام خضور عند واقع التّرجمة في سورية، يقول: لا نملك دراسات جدّية موسّعة تؤرّخ للترّجمة في بلدنا والمحتوى الرّقمي السّوري بائس جداً لا يقدّم شيئاً للباحث يمكنه أن يعتمد عليه، كذلك المعطيات الإحصائية لا تقلّ بؤساً وإذا لم تتوافر الإحصائيات فكيف نقارن وكيف نعرف؟ أتمنى على مكتبة الأسد أن تعوّض هذا النّقص، فالكتاب العام والخاص يصبّ لديها في نهاية المطاف وبإمكانها أن تقدّم إحصائية تفصيلية، وعليه أعطي للقطّاع العام خمسين كتاباً ينقص أو يزيد العدد قليلاً وللقطاع الخاص ضعف العدد، نصيب العلوم الأساسية فيها ضعيف جداً أمّا نسبة العناوين التي تبيع الأوهام فكبير جدّاً، مبيناً: لقد حاولت الهيئة العامة السورية للكتاب أن توحّد جهود المهتمين بالتّرجمة عبر المشروع الذي أطلقته عام 2017 باسم «المشروع الوطني للتّرجمة» لكنّ لم تنجح لأسباب ذاتية وموضوعية في مقدمتها حقوق النّشر وتبعاتها القانونية والحافز الذي قدمته الهيئة لم يكن مشجعاً للمجازفة بطبع كتاب وبسبب العدوان الإرهابي على بلدنا لا تستطيع أن تشتري حقوق نشر الكتب التي تطبعها، أمّا دور النّشر الخاصّة فلا يمكنها أن تشارك في المعارض العربية بكتب لم تشترِ حقوقها، وسوق الكتب الوطنية لا يشجع النّاشرين، ومن الغريب أيضاً ألّا توجد تعرفة وطنية موحّدة لمهنة إبداعية يتّفق الجميع على أهميتها!.
غياب الإحصائيات!
ويتابع الدّكتور ثائر زين الدّين في المحور ذاته أي عن دور وزارة الثّقافة في هذا المجال، يقول: أعلنت الهيئة العامة السوريّة للكتاب منذ فترةٍ قريبة إطلاق المشروع الوطني للترجمة وشكّلت لجاناً مختصة لذلك وتضع خطة طموحة في كل عام نتمنى أن يؤازرَها فيها اتحادُ الكتاب ودورُ النشر الخاصة وغيرُها وأن تُرصَد لها الموازنات اللازمة؛ عسى أن تكون حجر الأساس في نهضةٍ قادمةٍ تذكرنا بدار الحكمةِ زمن المأمون!. قليلاً ما نجدُ إحصائيات دقيقة تبيّن لنا أعدادَ الكتب التي ترجمناها إلى العربية من لغات العالم، أو ما تُرِجمَ من العربيّة إلى مختلف اللغات؛ فلو أردنا الآن أن نعرف ما نشرته مثلاً دور النشر السوريّة مِنَ الأعمال المترجمة إلى العربية في هذهِ السنةِ أو تلك، وخلال العقد الماضي أو الذي سبقه، فلن نتمكّن من ذلك بالدقّةِ المطلوبة وهي مسألة يُرجَعُ بها عادةً إلى المكتبات الوطنيّة ومعاهد الأبحاث والمدارس المُختصّة وما شابه، مضيفاً: ومن الجهود المهمّة في هذا المجال كتابُ «ترجمة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة في العالم العربي المعاصر» الذي وضعَهُ نخبة من الباحثين بإشراف الأستاذ «ريشار جاكمون» وصدرَ في الدّار البيضاء عام 2007، وقد أشار بحثُ الدكتور المغربي عبد السّلام شدّادي إلى أنّ “الترجمة لا يمكن أن تنفصل عن السياق الحضاري العالمي والوطني والإقليمي، وتوقّفَ عند التعليم والبحث العلمي في العالم العربي، وقالَ: إنَّ العرب خلال خمسين سنة الأخيرة ترجموا إلى العربيّة نحو 10000 كتاب، منها 4000 بدعمٍ من مؤسساتٍ أجنبيّة، أي ما يُعادل 200 كتاب سنويّاً لـ 420 مليون عربي عام 2007، أي ما يُعادل كتاباً واحداً لكل 2100000 ورأى أن العالمَ -عموماً- ترجمَ 80 ألف كتاب عام 2007، أي بمعدّل كتاب واحد لكل 80 ألف شخص، وأكّدَ أن المجتمع الدولي هو مجتمع معرفة وتؤدي فيه الترجمةُ دوراً حاسماً.

ويتابع الدكتور زين الدّين: ويرى ريشار جاكمون أنّ برامج التّرجمة الأجنبيّة أدّت دوراً كبيراً في تنشيط التّرجمة في بعض البلاد العربيّة ومنها «منشورات فرانكلين 1950 – 1978»، «وهو برنامج أمريكي أُنشئَ في القاهرة وبعض عواصم العالم الثّالث، وأصدرت دار فرانكلين القاهريّة ما بين 1000 إلى 1300 عنوان، وخَلَفهُ في القاهرة منتصف عقد 1980 (مكتب الكتاب) التّابع للسفارة الأمريكيّة في القاهرة» وقد أنجزَ هذا المكتب ترجمة 150 عنواناً بين عامي (1990 -2005)، كما يشير الباحثُ إلى أنّ المركز الوطني للكتاب في فرنسا دعَمَ مشاريع ترجميّة في بعض البلدان العربيّة؛ فترجمت دور النّشر اللبنانيّة المدعومة 180 كتاباً، والسوريّة 40، والمغربيّة 80 والتونسية 80، وحظيت الجزائر بمعاملة فرنسية خاصة تناولت 250 عنواناً، ولا ينسى جاكمون المشاريع العربيّة للترجمة: «وأوّلها مشروع «ألف كتاب» – 1955 / 1968، الذي أطلقه الدّكتور طه حسين عام 1955، وثانيها مشروع «الألف الثانية» بمبادرة من الدّكتور جابر عصفور واحتُفِلَ بإنجازها في شباط 2006، ولا ينسى الباحثُ سورية التي يراها تحتلّ المركز الثّاني في الوطن العربي بحجم التّرجمات، ويذكر أنّ وزارة الثّقافة السّوريّة بدفعٍ من الأستاذ أنطون مقدسي والسّيدة الدكتورة نجاح العطّار نائب رئيس الجمهورية نشرت ترجمة 1400 كتاب ما بين عامي 1960 و 2004 (ونصفها عن الفرنسيّة)، وهنا كان من الممكن أن ننتبه إلى أن هذا الرقم ليس كبيراً في نحو 44 عاماً. وهنا لا بُدّ لي شخصيّاً أن أضيف إننا قمنا بإحصاء جديد في الهيئة العامّة السّوريّة للكتاب ووجدنا أنّ عدد الكتب المترجمة المنشورة من وزارة الثّقافة بما فيها الفترة التي أُحدثت فيها الهيئة العامّة السّورية للكتاب (2006 – 2021) قد بلغت حتى اللحظة 2046 كتاباً، يُضاف إليها ما تُرجِمَ للأطفال والفتيان في فترة عمل الهيئة وهو يبلغ 201 كتاباً وكُتيّباً، فيصبح المجموعُ 2247 كتاباً ويتابعُ المشروعُ الوطني للتّرجمة الذي أطلقتهُ هيئة الكتاب عام 2017 طرح التّرجمات المهمّة من مختلف لغات العالم، ولكنّنا لا نعلم عدد الكتب المُترجمة التي صدرت عن دور النّشر الخاصّة خلال هذا الزّمن في سورية، بالتأكيد هي أرقام لا ترضي طموحنا ولكنّها تؤكّد أننا نتابعُ الحياةَ بالرّغم من كلّ ما مرَّ علينا وكلّ ما عانيناه.
بعض التوصيات!
وفي نهاية كلمته، يضع الدّكتور ثائر زين الدّن بعض التّوصيات التي تكاد تكون مشتركة بين جميع المشاركين في هذه النّدوة، منها:
العمل على رفع تعرفة التّرجمة بما يُلاقي الغلاء الهائل الذي أصاب مختلف وجوه الحياة، والعمل على حلّ إشكال حقوق دور النّشر الأجنبيّة بوضع آليات قانونيّة معيّنة لشراء الحقوق بشكلّ نظامي، ما عدا البلدان التي تستطيع الهيئة العامة السّورية للكتاب أن تحقّق ذلك مجاناً مثل روسيا وبيلاروس وإيران، وتأكيد ما طرحته الهيئة العامّة السّورية للكتاب منذ بداية المشروع الوطني للتّرجمة من ضرورة نهوض دور النّشر الخاصّة واتّحاد الكتّاب العرب والجامعات واتّحاد النّاشرين السّوريين بدورهم في إغناء المشروع الوطني للتّرجمة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار