كقبلة من وراء الزجاج

ثمة من يُشبّه ترجمة الأدب، والشعر بالتحديد؛ بالقبلةِ من وراء الزجاج، غير أنه ورغم “برودة” هذه القبلة؛ فقد استطاعت أن تجعل الكثير من قصائد شعراء العالم؛ شعراً عالمياً تُلتذُّ به ألسن كثيرة ومختلفة في هذا الكون، وبفضل الترجمة أصبحت لمفردات مُعينة صفة العالمية، إذ تعني ذات الدلالة في مختلف اللغات سواء كانت مفردات تقنية، أو حتى مفردات أدبية ذات مجازات لا حدود للتخييل والتأويل من خلالها.. وبفضل الترجمة فإنّ لغات العالم تتقارب يوماً عن يوم في محاولة لتخليص هذا الكون من همجية طالما كانت اللغة وعدم فهم الآخر من أسباب الإيغال في شراستها.
وإذا ما استعرضنا رأي المُبدعين في مسألة الترجمة؛ فقد قال فيها أكثرهم ما يُقارب الشعر، أو أكثر قليلاً، فعلى ما يرى الروائي الإيطالي الأشهر إيتالو كالفينو: لولا الترجمة لكنت محدوداً بحدود بلدي، إن المترجم أهم حليف لي، فهو الذي يقدمني إلى العالم.. فيما يرى مايكل كرونين: إن المترجمين، وهم يؤسسون لثقافة؛ مؤسسون للغات أقوامهم وثقافاتهم، وهم على السواء يحفرون أساس هذه الثقافات، وهم يحافظون على أدب الماضي وثقافته من خلال الترجمات الجديدة التي يتطلبها كل جيل، لكي تواصل النصوص حوارها مع الحاضر.
فيما بوشكين شاعر روسيا الذائع الصيت؛ فيصف المترجمين بالأحصنة التي تجر عربات الثقافة والتنوير العالمية.
وفي تاريخ الترجمة للغة العربية؛ فإن الباحثين، يعتبرون العصر الأموي؛ يُشكل أوّل حركةٍ واسعة مُنظمة للترجمة الثقافية الحضارية بين الأمم، حيث ترجم العرب حينها بعض الكتب في الطب والكيمياء، وأنشؤوا في دمشق أوّل مكتبة عربية تضمُّ أعمالاً يونانية في الطب وعلوم أخرى، كما عربوا الدواوين، حيث كانت فارسية في العراق، وروميّة في الشام. ثم ما لبثت الترجمة أن نشطت واتسعت أبعادها وتعددت مصادرها في العصر العباسي، لتصل حركة الترجمة أوجها زمن الخليفة المأمون، وهو ما بات يُعرف بـ”بيت الحكمة”.
لكن هؤلاء الباحثين أنفسهم، يتحدثون بحزنٍ شديد عن حال الترجمة، رغم كل هذا الإيغال في القدم لأول محاولات الترجمة في العالم العربي، وعلى ما يؤكدون؛ إنّ ما تُرجم من لغات أجنبية إلى اللغة العربية منذ المحاولات الأولى للترجمة إلى اليوم؛ تترجمه دولة واحدة مثل إسبانيا على سبيل المثال في سنة واحدة.
ومحنة الترجمة في العالم العربي؛ لا تكمن فقط في قلة نقل إبداع الآخرين إلى اللغة العربية، بل في أمور عديدة ليس أولها الاكتفاء بلغات مُعينة وإهمال أخرى لا تقلّ أهمية عن الإنكليزية والفرنسية، اللغتين الأكثر ترجمة، بل حتى في توفر المُترجم الذي يُمكن الاطمئنان إلى ترجمته، المُترجم الذي لا يصل لأهمية المُبدع– المؤلف وحسب، بل ربما يتجاوزه، وهو ما توفر للأمانة، لكنه كان دائماً من الندرة بمكان، الترجمات عن اللغة التركية مثال للركاكة من أكثر من مؤسسة خاصة أو عامة. ولن تنتهي عند من يترجمون عن لغة وسيطة أو ثالثة، فحتى عقدين من الزمن؛ فإن جل ما تُرجم للعربية عن الأدب الروسي كان من الفرنسية.. وغير ذلك الكثير. أما مُناسبة هذه الزاوية؛ فهو ما ستقيمه وزارة الثقافة ممثلة بالهيئة العامة السورية للكتاب، (الندوة الوطنية للترجمة) بالتعاون مع جامعة دمشق، المعهد العالي للترجمة، مجمع اللغة العربية، اتحاد الكتّاب العرب، واتحاد الناشرين السوريين، وذلك يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين في مكتبة الأسد..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار