اختناقات و وعود زراعية !!
اختناقات تسويقية كبيرة يعيشها فلاحونا ومنتجونا في القطاع الزراعي في كل موسم، ما يصيبهم بخيبات الأمل عندما يوضعون ضمن خيارات محدودة أحلاها مرُّ، فإما أن يبيعوا منتجاتهم للتجار بأسعار تكاد تلامس التكلفة من دون حساب تعبهم وعائلاتهم، وبعدها يتفاجؤون بأن أسعار منتجاتهم في الأسواق أضعاف السعر الذي باعوا وفقه، أو أن يقوموا ببيع منتجاتهم بنفسهم ليجدوا أنفسهم في منافسة شرسة من حيتان السوق الذين يضاربون عليهم بالأسعار ويكبدونهم خسائر فوق خسائرهم، أو أن يتركوا محاصيلهم التي تعبوا عليها عرضة للتلف تجنباً «لوجع القلب».
وعلى سبيل المثال يعاني اليوم مزارعو التفاح من عروض التجار التي لا تغطي تكاليف إنتاجهم وتكاليف معيشة أسرهم بعد فترة طويلة عاشوا فيها على أمل أن يعوّضوا ما صرفوه على العناية بأشجارهم من عمليات رش مبيدات وأسمدة وري وغيرها من النفقات المرهقة، وغداً سنجد المشكلة نفسها مع مزارعي الحمضيات, وهذا ما عاناه ويعانيه مزارعو الخضراوات والأصناف الأخرى من الفواكه.
موضوع تسويق المنتجات الزراعية معضلة قديمة أقيم في سبيل حلّها الكثير من الاجتماعات بين وزارة الزراعة واتحاد الفلاحين وغرف الزراعة وغيرها من الجهات المعنية بالموضوع, وقدمت مئات المقترحات والوعود والمشروعات، لكن من دون جدوى أو أثر ملموس على الأرض، لأسباب مختلفة أولها تضارب المصالح بين الجهات المعنية وعدم التنسيق فيما بينها، وغياب الاستراتيجيات الفعالة على مستوى الاقتصاد الكلي وعلى مستوى قطاع الزراعة.
تراكم المشاكل أمام فلاحينا لم يثنهم عن القيام بواجباتهم في زراعة أراضيهم حتى الآن برغم الصعوبات وشعورهم بالخذلان في كثير من الأحيان من جميع الجهات التي يتعاملون معها، مدفوعين بحبهم لأرضهم ولوطنهم، وإيمانهم بأن الجميع يحيطون بحساسية قطاع الزراعة وأهميته بالنسبة لاقتصادنا الوطني وأمننا الغذائي والقومي.
لكن الفلاح المظلوم لديه طاقة تحمل محدودة في ظل الظروف الراهنة وقد نجد منتجات زراعية كثيرة ضمن قائمة المستوردات إذا بقي الحال ثابتاً بلا حلول ناجعة، وقطاع الدواجن الذي تهالك خلال العامين الماضيين وخروج النسبة الأكبر من المربين بسبب ما تكبدوه من خسائر فادحة من دون أن يجدوا أي طرف معني في صفهم خير مثال على ما قد نستيقظ عليه في بقية مكونات قطاعنا الزراعي.
وتالياً فالكل مطالب بإيجاد الحلول الإسعافية والاستراتيجيات البناءة التي تعيد لزراعتنا دورها الذي نفتقده كثيراً كمواطنين والابتعاد عن التنظير الفارغ وتقاذف المسؤوليات.