قراءة نقدية وتحليلية في كتابين للباحث إياد مرشد
“تجليات السّياسة في شعر نزار قباني” و”مقاربات نقدية في الشّعر والرّواية” للكاتب إيّاد مرشد كانا موضوع نقد وتحليل للميزات الفنّية والأدبية في النّدوة النّقدية التي أقامها المركز الثّقافي العربي في “أبو رمانة” وشارك فيها كلّ من الأديبين نزار بني مرجة وجابر سلمان.
وتحت عنوان: “تجلّيات السّياسة في شعر نزار قباني”، نوّه الأديب نزار بني مرجة بتوقّف الباحث إيّاد مرشد عند محطّات شعرية مهمّة للشّاعر نزار قبّاني إزاء أحداث جسام كانت مثار اهتمام الشّاعر والدافع لكتابة الكثير من قصائده ومنها على سبيل المثال وفاة الزّعيم جمال عبد النّاصر وقضية الحرب والسّلام، يقول الباحث إيّاد مرشد حول دراسته لحياة وتجربة وإبداع الشّاعر نزار قبّاني لقد أحاطت موضوعات شعره بقضايا الأمّة وهذا ما لا يستطيع أحد نكرانه وما أوردناه في هذا البحث يقطع الشّك باليقين أمّا ما جاء على لسان البعض بأنّه أغفل بعض القضايا في أزمنة مختلفة من عمره فلا يمثّل شيئاً مهمّاً أمام ما جاء على ذكره في قصائده لأنّه ليس مطلوباً من الشّاعر أن يكون معلّقاً سياسياً أو صدى لكلّ واقعةٍ سياسيةٍ، وعلى الرّغم من اختلاف تقييم النّقاد لتجربته في معالجة قضايا الوطن والمرأة إلا أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أنّه مثّل في كلّ ما تناوله من قضايا في شعره صوتاً متفرّداً وأسلوباً جديداً في التّعاطي مع الشّأن العام .. وناقداً حادّاً لمظاهر التّخلف والضّعف وتصوير حالات القصور والوهن، لقد ساهمت الأقدار على الصّعيد الشّخصي للشّاعر وفي مراحل مختلفة من حياته في تأجيج مشاعره وزيادة التحامه مع القضايا التي كان يطرحها، فجاء مقتل زوجته في حادث مأساوي في بيروت ثمّ اضطراره لمغادرة بيروت بعد اشتعال أتون الحرب فيها وذهابه إلى المنفى الاختياري ليعمّق منه تجربته وليزيد من جرعة التّحدي والرّفض للواقع الاجتماعي والسّياسي..
وتناول الأديب جابر سلمان كتاب “مقاربات نقدية في الشّعر والرّواية” بالتّحليل والذي تضمّن قراءة في شعر عبد الكريم النّاعم ويوسف المسمار ونزار قبّاني وأدب هاني الرّاهب وطريقة وصفه ومعالجته لشعر وأدب من كانوا في الكتاب، لافتاً إلى أنّ النّص النّزاري شكلاً ومضموناً مفتوح على الاجتهاد وأنّ الرّواية عند هاني الراهب استوعبت مجمل التّقنيات الرّوائية الحديثة، ومشيراً إلى أهمية الزّمان والحدث فيها مستفيداً من تقنيات الغرب الحديثة وكانت رواية ألف ليلى وليلتان نموذجاً، موضّحاً: جاء كتاب إياد مرشد في بابين رئيسين كان أوّلهما بعنوان: “المفاهيم الأساسية وتطوّر العلاقة ما بين الشّاعر وقضايا عصره” وضمّ ستة فصول تناولت تحديد مفهوم الشّعر السّياسي وتأثير القضايا السّياسية على تطوّر الشّاعر الشّخصي حيث استعرض الباحث السّيرة الذاتية وبعض المواقف اللافتة له في حياته المبكّرة وشبابه وصولاً إلى مرحلة النّضج والإبداع في تجربته وماهية الشّعر السّياسي لنزار قبّاني، مشيراً إلى العديد من الآراء التي أوردها النّقاد حول ذلك الشّعر، كذلك تحدّثت عن الدّوافع والأسباب التي كانت وراء اهتمام الشّاعر بالقضايا السّياسية، كما أفرد فصلاً للحديث عن القضايا الأساسية التي كانت محور اهتمام نزار قباني قبل وقوع نكسة حزيران 1967 والقضايا السّياسية التي كانت ضمن هواجسه بعد النّكسة، في حين أفرد الباب الثاني للقضايا السّياسية التي شغلت الشّاعر عبر أربعة فصول كان أوّلها القضية الفلسطينية والحرية.
بدوره، أوضح الباحث إياد مرشد مؤلّف الكتابين أنّ: الشعور القومي عند يوسف مسمار هو حالة طاغية على شعره والبعد الإنساني عند عبد الكريم النّاعم في مجموعته يتجلّى بشفافية مطلقة.. وما كتبته من دراسات لاحقاً ونشر في مجلات مختلفة لم يكن إلّا في إطار البحث عن مكامن الجمال والإبداع في بعض النّصوص الأدبية التي أثارت اهتمامي، مبيناً: أجمل النّصوص الأدبية هي التي تحرّك في داخلنا الرّغبة بالكتابة أو التّعليق عليها سلباً أو إيجاباً، والنّقد له أسس فنية يعتمد عليها ومبادئ لأنّه من أهم الأجناس الأدبية وأشكالها فهو عندما يلتزم بمكوّناته الحقيقية يضيف إلى الثّقافة ما هو مبتكر وجديد ويساهم في بنائها الحقيقي، ويجب أن يكون النّقد بناءً على خلفية فلسفية يحتويها النّص أو بناء على تميّز في الجانب البلاغي أو البياني أو اللغوي وقد يذهب النّاقد لتناول الجانب الموضوعي للنّص الأدبي، إذاً النّص الأدبي يضعنا أمام حقيقة واحدة إمّا أنّه نصّ جيّد يستحق القراءة والنّقد أو رديء علينا تجاوزه وألّا نهدر وقتنا عليه.
ويضيف مرشد: يقوم جوهر النّقد الأدبي أوّلاً على كشف جوانب النّضج الفنّي وتميّزها عمّا سواها على طريق الشّرح والتّعليل ثمّ يأتي بعد ذلك الحكم عليها، وينبغي أّلّا تأخذ قواعد النقد مبادئه على إطلاقها بل في حدود بيئتها التّاريخية وطبيعة ما عالجت من مسائل وما هدفت إليه وتحقق بذلك مرونة تستطيع أن تؤتي ثمارها بأثرها الخصب في توجيه الأدب وتكوينه، وعلى النّاقد أن يرجع إلى أسس فنية خاصّة بالأجناس الأدبية وبالمعاني التي يتناولها الكاتب وصلتها بالحقيقة والمجتمع والغرض الفني الذي يهدف إليه ثمّ في صياغة المعاني وعرضها ويرجع كذلك إلى مجموعة من النظريات والادراكات النفسية والاجتماعية وهي أسس ثقافته الفنية.
وتمنّى مرشد أن يلحق النّقد بالحركة الشّعرية والأدبية في بلدنا سورية، فالإنتاج الأدبي كبير والإنتاج النّقدي يبدو خجولاً أمامه، ولا يوجد منهج نقدي محدد يمكن أن نسير عليه، فالنّص هو البوصلة وهو الذي يحدد الآليات التي نحن بحاجة لها لنتعامل معه، نتمنى في المستقبل أن تؤسس مدرسة سورية للنّقد تتكئ على التّراث العربي الكبير في هذا المجال وعلى ما أنجزه أساتذة كبار في هذا الحقل الأدبي المهم، وتطلّع إلى التّعاون مع الجامعات للارتقاء بالنّقد، يقول: الجامعات هي المكان الرّئيس حالياً لإعداد الدّراسات النّقدية وقيام علاقة واتّصال مثمر مع النّقاد في إطار اتّحاد الكتّاب العرب سيسهم في الحركة النّقدية في سورية بمزيد من الأقلام المبدعة.