الاقتصادان «الكلي والجزئي» السوريان وإشكاليّة نقطة البدء..!

تزداد أهمية التحليل والدراسات الاقتصادية لبلد ما في أوقات الأزمات والحروب سواءً كانت داخلية أو خارجية…إلخ، وخاصة إذا ترافقت مع تراجع في الإنتاج والناتج والإنتاجية وعدم كفاية السلع والخدمات المنتجة أو العرض الكلي لتغطية الطلب الاستهلاكي أو الطلب الإجمالي، وهنا يكون هدف السياسة الاقتصادية البحث عن الطرق والوسائل المؤدية لتفعيل الدورة الاقتصادية وتنشيطها بهدف تغطية النقص بين العرض الكلي والطلب الإجمالي أو الفجوة التسويقية، لأن استمرار هذه الفجوة سيؤدي إلى أمراض اقتصادية كبيرة مثل: «التضخم والانكماش والركود والكساد وخلل في الميزان التجاري والرأسمالي والمدفوعات وزيادة عجز الموازنة السنوية والمديونية الخارجية ومعدل البطالة والأسعار وسعر الصرف والفقر والفساد والتهرب الضريبي وهروب الرساميل وتعطيل الموارد المتاحة وانخفاض القوة الشرائية لوحدة النقد الواحدة ..إلخ»، وظهور مشاكل اجتماعية مثل: «زيادة معدل الجريمة والسرقة والهجرة للمهنيين والحرفيين والاختصاصيين, وخاصة من الشباب والتسرب من المدارس وحالات الطلاق والعزوف عن الزواج والتأثر بالمتغيرات الخارجية السلبية وتراجع مستويات التعليم وسيطرة النمط الاستهلاكي على الإنتاجي وتراجع ثقافة العمل وزيادة الأعمال الهامشية وتوسع عمل القطاع غير المنظم ..إلخ»، وهذه الحالة مرّت بها أغلب دول العالم ومنها بلدنا سورية، وإذا لم يتمّ البحث عن آلية للخروج من هذه التداعيات فإن آثارها ستتزايد مستقبلاً وتتحول المشاكل الاقتصادية إلى أزمة، لأنها أشبه بكرة الثلج أو النار، أي كلما تدحرجت، كبرت، وإيجاد الحل هو في اتخاذ خطوات إجرائية عملية على مستوى الاقتصاد الكلي والجزئي، لأن العمل هو أب الثروة، والأرض أمها, كما قال الاقتصادي الكبير «ريكاردو», والعمل هنا وفقاً لعقلية علمية تربط النتيجة بالسبب، وأن يتم التشخيص والتوصيف على مبدأ العملية الجراحية العصبية وتحديد الأولويات، وتحديد نقطة البداية وتداخل تأثير العوامل الداخلية والخارجية في معالجة هذه الظواهر الاقتصادية الاجتماعية المرضيّة، وفي رأينا البدء بسؤال هام برغم صعوبته وهو؛ من أين نبدأ: هل من الاقتصاد الكلي «Macroeconomic» أم الجزئي «Microeconomic» ؟ مع الإشارة إلى أن الاقتصاد الكلي يقوم على أساس دراسة السلوك الاقتصادي ككل أي على مستوى الوطن، أي النشاط الشامل للاقتصاد، وهذا دور راسمي السياسة الاقتصادية الوطنية سواء كانت السياسة الاقتصادية النقدية أو المالية أو الاستثمارية أو التجارة الخارجية أو سياسة التسعير ومعدلات الفائدة والتضخم وسعر الخصم ومعدل النمو وإدارة الاحتياطي النقدي…إلخ، أمّا الاقتصاد الجزئي فإنّه يركّز على دراسة وتحليل سلوك الكيانات الاقتصادية المستقلة مثل: «الأسواق والشركات والمؤسسات والأسعار الجزئية» وغيرها، ومجموع هذه المهام هي المهام الأساسية لعلم الاقتصاد الوطني، لكن وبرغم صعوبة التمييز ووضع حدود بين كل من عمل الاقتصادين الكلي والجزئي وهذا السؤال هو أشبه « بالسهل الممتنع » لكن برغم صعوبة ذلك لا بدّ من تحديد دور كل منهما والعلاقة التبادلية العضوية بينهما، فمثلاً في سورية و بعد الحرب عليها والإرهاب الاقتصادي من «حصار وعقوبات» جائرين ومفروضين من طرف واحد ومخالفين للشرعية الدوليّة لم يشهد التاريخ الاقتصادي مثيلاً لهما، فإنه يجب تفعيل كلٍّ من الجزئي والكلي ويمكن أن نبدأ من الجزئي أي من وحداتنا الاقتصادية ومواردنا من أرض «استغلال كل م2»، وعمل «استغلال كل طاقة متاحة» ، و رأسمال (استغلال كل نفقة)، و كوادر (وخاصة الموارد البشرية) وتقنية وغيرها، وتفعيلها على مستوى كل القطاعات والوحدات الاقتصادية وخاصة أن البنية التحتية موجودة، وهنا يقوم راسمو سياسات الاقتصاد الكلي بتحسين شروط وظروف العمل والمناخ الاستثماري ومراقبة الأسعار ولكن انطلاقاً من مقتضيات ومتطلبات السوق وبخطوات عمليّة وليست وصائية، وأن يكون جوهر العمل الإجابة بشكل صريح وواضح عن الأسئلة الاقتصادية التالية وهي: (ماذا أنتج، وكيف، ومتى، ولمن؟)، وهذه الأسئلة تعدّ جوهر عمل أي منظومة اقتصادية مهما كان توجهها الإيديولوجي.

وهذا يؤكد أن علم الاقتصاد هو علم فني برغم أهمية الجانب الإيديولوجي العقائدي فيه، وعندها نحلّ مشاكلنا وتزداد قوتنا الاقتصادية, وتالياً السياسية والاجتماعية والأمنية وغيرها من القوى الأخرى، فهل نبدأ من اقتصادنا الجزئي باستغلال كل الطاقات المتاحة وتحويلها إلى ميزات تنافسية ضمن رعاية وتوجيه ومراقبة من راسمي السياسات الاقتصادية الكلية ووفقاً لمؤشرات رقمية زمانية ومكانية، نعتقد أن هذه هي نقطة البداية وأن ترك المشكلة لعامل الزمن سيؤدي إلى تضخمها، وعندها تتداخل الأسباب بالنتائج وتزداد صعوبة التمييز بينهما وتتعمق المشكلة أكثر وأكثر، فعلينا أن نبدأ؛ ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة ولا توجد مشكلة اقتصادية إلا وتحمل في طياتها بذورَ حلّها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية