للتعريف بالتراث الثقافي .. معرض “سورية الرائعة” يجول بين متاحف الصين
تمر الأزمنة والعصور وتبقى سورية المخزن التاريخي التي تكتنز في ترابها وعلى امتداد جغرافيتها كافة الدلائل الشاهدة على أنها منبع الحضارات البشرية، وعلى الرغم من قساوة وهمجية ما مر عليها لا تزال سورية تتحفنا في كل مرة بما لديها من روائع وأمهات اللقى التاريخية الأثرية التي يستحق العالم بأسره أن يتعرف عليها.
ومن لم تخدمه المسافات والظروف الحالية لزيارة سورية ومتاحفها، فقد كان بإمكان بعض الدول أن تبادر بمشاركة سورية بإقامة معارض للآثار السورية على أراضيها. وهذه المرة، كان الدور على جمهورية الصين الشعبية.
قبل أيام انطلقت في جمهورية الصين فعاليات معرض “سورية الرائعة”، وهو العنوان الذي يحمله المعرض الكبير للآثار السورية الذي يقام حالياً هناك، ومن المقرّر أن يتنقل بين أهم المتاحف الصينية وأكبرها وأشهرها وذلك على مدار عامين.
المعرض الذي تحتضنه حالياً مدينة “تشنتشن” الصينية، يضم 195 قطعة أثرية وفنية مهمة من مقتنيات ومجموعات متاحف سورية، وهذه القطع الأثرية تُعتبر من القطع المهمة جداً والتي تم اختيارها بعناية كي تقدم صورة واضحة عن الحضارة السورية وعن عمقها وأهميتها وقِدمها ودورها العالمي كونها حضارة أسست للتمدّن والاستقرار في هذا البلد الذي يُعدّ من أهم دول العالم امتلاكاً للآثار.
العصور التاريخية السورية حاضرة
المدير العام للآثار والمتاحف محمد نظير عوض أكد لـ”تشرين” أن المعرض لاقى إقبالاً كثيفاً من الزوار، إذ تم انتقاء القطع الأثرية المشاركة من أغلب متاحف سورية حيث تضم قطعاً كبيرة بازلتية من متحف حلب، وهي تعود لفترات مختلفة، ومن متحف دمشق ومن متاحف أخرى.
وأشار عوض إلى أنه تم أثناء الاختيار مراعاة عكس مختلف العصور التاريخية السورية القديمة من فترة ماقبل التاريخ وحتى الفترة الإسلامية، لافتاً إلى أنه وضمن الفعاليات والنشاطات التي رافقت المعرض تم إصدار دليل للقطع الأثرية السورية، و الذي يتضمن مجموعة من المقالات العلمية المهمة لخبراء وباحثين سوريين وصينيين.. وتتحدث تلك المقالات العلمية عن الحضارة السورية والآثار السورية والتاريخ السوري بشكل عام، كما تتضمن المقالات بعض المعلومات عن “طريق الحرير” المهم الذي يمرّ بالجمهورية العربية السورية ويصل إلى الصين، وهي تلحظ أيضاً المقالات الحديثة عن العلاقات التاريخية المختلفة والتشابه والتواصل الحضاري بين البلدين على مدى فترات تاريخية.
تجدر الإشارة إلى أنه وفي وقت سابق أقامت “مؤسسة المعارض الفنية” في الصين.. وهي المؤسسة التي تشرف وتنظم المعرض الحالي .. معرضاً لقطع أثرية سورية بلغ عددها 37 قطعة، و قد لاقى نجاحاً وإقبالاً كبيرين، الأمر الذي دعا لتأسيس معرض جديد لعدد أكبر من القطع الأثرية السورية المتميزة.
يأتي المعرض ضمن استراتيجية وزارة الثقافة – المديرية العامة للآثار والمتاحف – للتعريف بالتراث الثقافي السوري ونشره، ويندرج ضمن نشاطات وزارة الثقافة الخارجية للتعريف بما طال التراث السوري من تعدّيات همجية بربرية من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة ( تخريب وتدمير ) وتقديم الصورة الأوضح لهذا التراث الثقافي لتأكيد أهميته ومدى عمقه الحضاري واعتباره تراثاً استثنائياً في هذا البلد الذي يقع في قلب العالم القديم.
وبين مدير الآثار أن خبراء الآثار يتحركون على المستوى الدولي للاستفادة من الخبرات الآثارية سواء في سلطنة عُمان أو التشيك أو الصين، وذلك من أجل تأهيل الخبرات الوطنية والاستفادة من التطور التكنولوجي في الصين لحماية التراث الثقافي السوري وترميم القطع الأثرية. وأضاف: من أجل التعريف بالتراث الثقافي السوري ونشره، وتتويجاً للعلاقات الثقافية الاستثنائية بين الشعبين السوري والصيني والذي تجلى أيضاً في انضمام سورية إلى “التحالف الآسيوي لحماية التراث الثقافي السوري المُعرّض للخطر”، تم افتتاح معرض الآثار السورية في الصين.
الاستفادة من الخبرة الصينية
وبين عوض أن العلاقة مع الصين مهمة جداً ولايخفى على أحد مكانة الصين في إدارة التراث الثقافي الصيني بشقيه المادي واللامادي، فهي تمتلك خبرات قوية بهذا المجال، إضافة إلى أنها تمتلك آثاراً وقصوراً تعود لفترات مهمة جداً في تاريخ الصين، إلى جانب الخبرات العلمية الضخمة في صيانة وترميم القصور الخشبية والحجرية وغيرها.
كما تمتلك الصين خبرات ضخمة في ترميم وصيانة الأوابد الأثرية، ويمكن الاستفادة من هذا الجانب كما يمكن الاستفادة منها في مجال ترميم القطع الأثرية والمنحوتات بكل أنواعها، سواء المنحوتات الحجرية أو المشغولات الصغيرة والكبيرة المعدنية، منوهاً بأن الصين تضم الكثير من المتاحف التي تدار بأحدث التقنيات موجودة في العالم وبأحدث الطرق وتحفظ القطع والأشياء المتحفية المهمة من لقى ومجموعات فنية بشكل جيد، كما أن لديها خبرات مهمة في هذا الإطار ويمكن الاستفادة منها في تطوير متاحفنا وتطوير منهجيات العرض والتخزين وأعمال الترميم والصيانة للقطع المتحفية السورية.
ولفت مدير الآثار إلى الدعم الذي قدّمته الصين للمديرية العامة للآثار والمتاحف منذ فترة وهو عبارة عن مبالغ مالية، إذ تم شراء مجموعة من الحواسيب استخدمت في أعمال الأرشفة والتوثيق، مؤكداً أن الصين بلد صديق وقف إلى جانب سورية وهو مستعد حالياً للوقوف إلى جانبنا وتقديم مانحتاج إليه من خبرات وأعمال وأجهزة لإدارة التراث الثقافي السوري الذي تأثر بالحرب على سورية.
قطع أثرية سورية غاية في الأهمية
من بين القطع الأثرية المهمة المشاركة في المعرض، قطعة تعود إلى فترة عصور ماقبل التاريخ السورية المهمة جداً، وهي عبارة عن فأس من حجر الصوان بحالة فنية جيدة وتم اكتشافها في موقع اللطامنة بحماة ويعود إلى الثقافة الآشورية الوسطى التي تعتبر من أقدم ثقافات العصر الحجري القديم، وهو من الأدوات التي صنعها أسلاف البشر (الإنسان منتصب القامة) أو إنسان (الهوموآركتوس).
وأيضاً قطعة أثرية تمثل أداة من حجر الصوان (ميكروليتية) هلالية الشكل تعود إلى فترة ماقبل التاريخ “العصر النطوفي” ، وقد اكتشفت في مواقع سورية مهمة، في كهف باز في جبعدين بريف دمشق، وهي تؤرخ مابين 11000- 9000 سنة ق.م.
كما تشارك قطعة من الحجر تحمل ثلاث مجموعات متقاطعة من الرسوم والخطوط الجانبية والزخارف الهندسية وتعود إلى تل قرامب بحلب، وهي تؤرخ للعصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، وقطعة أخرى تعود إلى عصور ماقبل التاريخ.. فترة العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار وهي عبارة عن دمية من الطين المشوي تجسد “الربة” الأم والتي لها علاقة بالخصوبة، وتأخذ وضعية الجلوس ذات لون أسود والرأس مجرد وبارز إلى الأمام والأثداء ضخمة ومتدلية حتى الركبتين، تعتبر هذه الدمية مهمة جداً وكانت سائدة التصنيع خلال تلك الفترة وقد اكتشفت في تل أسود بريف دمشق.
مشاركة “متحف دمشق الوطني”
ومن مقتنيات متحف دمشق الوطني، تشارك قطعة أثرية وهي عبارة عن كأس من الفخار عليها تويينات حول العنق بشكل خطوط هندسية محزّزة ومتعرجة، وتم تنفيذها باللون الأسود على خلفية برتقالية أو بيج فاتح ويعتبر هذا النوع من الكؤوس من المنتجات الفخارية المميزة لمدينة حماة خلال الألف الثالثة ق.م.. وتؤرخ لعصر البرونز القديم.
كما أرسلت قطعة أثرية من فترة القرن الرابع والثالث ق.م، وتعود إلى العصر الهلنستي وهي عبارة عن إبريق صغير من الفخار مطلي بلون أسود ملمع وسطحه ملون بمشهد جانبي لحيوان ربما سمكة، وهي قطعة مُرمّمة ولكنها بحالة جيدة من مقتنيات متحف اللاذقية، إلى جانب قطعة أثرية تعود إلى العصر الهلنستي عبارة عن نقد مهم جداً من الفضة على أحد أوجهه صورة جانبية للاسكندر المقدوني وفي الخلف صورة للإله زيوس بوضعية الجلوس، وأيضاً تمثال صغير من البرونز من مقتنيات متحف درعا يعود للعصر الهلنستي من القرن الثاني والأول ق.م، ويمثل رجلاً ملتحياً بوضعية الوقوف وعلى رأسه إكليل من الغار، عاري الجسد وينسدل على كتفه الأيسر رداء عليه خطوط طولية ويحمل بيده اليمنى قرصاً .
الحضور التدمري في المعرض
كما تشارك في المعرض قطعة أثرية عبارة عن شاهدة جنائزية تدمرية من الحجر الكلسي عليه مشهد نصفي لكائن يعتمر قبعة الكهنة ويحمل بيده صحناً مملوءاً بحبات البخور وفي اليد الثانية “طاسة” صغيرة للزيت المقدس تعود إلى فترة العصر التدمري أو القرن الثاني الميلادي، ومن متحف جبلة شاركت قارورة زجاجية مكتشفة في مسرح جبلة، تعود إلى الفترة الإسلامية جسمها يأخذ أشكالاً زخرفية هندسية نافرة تؤرخ للفترة العباسية حوالي القرن الثالث والرابع الهجري.