سينما الطفل .. معاناة نوع إبداعي لا جذر له

لا يمكننا الحديث عن سينما الطّفل من دون أن نتذكر ما تعانيه السّينما في سورية بشكلٍ عام، فكيف لفرع أن يولد وينمو ويزهر من دون جذر قوي يستند إليه وعليه ويتغذى منه، يقول الكاتب والمخرج السّينمائي أيهم عرسان: لا توجد لدينا صناعة سينما، لذلك لا توجد لدينا سينما طفل، كانت لدينا محاولات فردية يقوم بها مخرجون وكتّاب لديهم هذا الاهتمام، نحن بحاجة حقيقية لتبنّي هذا المشروع الذي برزت ضرورته خلال الحرب على سورية، سينما الطّفل يجب أن تحفّز وتذكّر وتشحذ الهمم وتبثّ الأخلاق الحميدة وكلّ هذا الأمور، منوّهاً بأنّ القطّاع العام يخلط بين سينما الطّفل أو العمل الموجّه للطّفل والعمل الذي يتضمّن خطوطاً دراميةً فيها أطفال لكنّ القضية العامة لا تتناول قضايا الطفل وهذا لا يمكن عدّه موجّهاً للطّفل.. لا مانع من أن يكون العمل موجّهاً للطّفل والعائلة لكنّ الخطاب يجب أن يكون مختلفاً وهنا تبرز صعوبة العمل وتظهر صعوبات أخرى منها أنّ بعض الكتّاب والمخرجين يتهيبون هذا العمل وفعلاً هو أصعب من عمل يوجّه للكبار لأنّه يحتاج إلى تقنية خاصّة جدّاً من كتابة وتحضير ومونتاج ويجب أن يكون لدى صانع أفلام كهذه قدرة على وضع نفسه مكان الطّفل ويرى بعينه ويُفترض أن يكون هناك تحديد للفئة العمرية التي يتوجّه إليها.
المخرج السّينمائي المهند كلثوم واحد من السّينمائيين القلائل إن لم يكن الوحيد الذي تنبّه لأهمية هذه الأفلام ودورها في توعية وتنمية قدرات الطّفل وتناول الواقع الذي يعانيه والتّوجه إليه بنصّ وحواريات محلية ليست بعيدة عن حياته اليوميّة ومؤسّس ومدير مشروع المغامرة السيّنمائية، يحدّثنا عن هذا الأحلام والصّعوبات في هذا الدّرب الطويل، يقول: مشروع سينما الطّفل مشروع قومي في بلدان أخرى، أمّا لدينا فلا يزال مشروع مبادرات أو نشاط لا أكثر، والمشكلة لدينا تكمن في أنّ السّينما لدينا ليست إلّا تجارب، فمن سنة ونصف السنة كانت وزارة مختلفة ومشينا بالموضوع، تغيّرت الوزارة وأُلغيَّ الموضوع، والمشروع الوطني يجب ألّا يكون حكراً على أحد، يجب التشارك مع وزارات التربية والإعلام والإدارة المحلية، لكن دائماً لدينا أمل بإنجاز مشروعنا الوطني، فجيل اليوم هو الجيل السّينمائي للبلد.. لا نريد المقارنة لأنّ لكلّ بلد خصوصيته وتقاليده، نحن نبسّط الأمر كثيراً لدرجة أننا كنّا نطالب وزارة التّربية بصالة عرض سينمائية في كل مدرسة، اليوم نحن نطالب فقط بمكان أو قاعة في منطقة ما أو تجمّع مدرسي ما.. نحن في الموسم الأول من مشروع السّينما قبلنا خمسين طفلاً هذا يعني خمسين مرافقاً من الأهالي وفي الموسم الثّاني قبلنا فقط خمسة أطفال لعدم توافر المكان.
ويتابع كلثوم في تفكيك الأزمات واحدة تلو الأخرى، قائلاً: بعض الممثلين الكبار لا يحضرون ولا يشاركون في فيلم موجه للطّفل ولا يقبلون أن يكون الطّفل هو البطل وهم سند له، ربّما يخافون من سرقة نجوميتهم لذلك يبتعدون عن سينما الطّفل، كما أنّه لا يوجد لدينا مخرج يخرج فيلماً طويلاً موجّهاً للطّفل، وربّما البعض لم يقتنع بعد بهذا المشروع ولا يعدّه أولوية إضافةً ، مضيفاً: مشروع سينما الطّفل الذي بادرت به المؤسسة العامّة للسّينما كان مجانياً ولا يوجد رسم تسجيل بل كانت هناك وجبات إفطار للطلاب لأنّ الدّوام كان طويلاً من التّاسعة صباحاً وحتى الثّالثة ظهراً ومحاضرات كثيرة كلّها تصبّ في أدوات وآليات العمل السّينمائي الموجّه للطّفل، ومؤكداً: ضرورة تضافر الجهود بين وزارات الثّقافة والتّربية والإعلام والإدارة المحلية كي يصل مشروع سينما الطّفل إلى كلّ المحافظات، نحن نعمل في دمشق وريفها ولم نستطع الخروج والعمل في بقية المحافظات.

ويضعنا في صورة مشروع سينما الطّفل الذي أسسته المؤسّسة العامّة للسّينما باسم خباز معاون المدير العام للمؤسسة ومدير المشروع، موضّحاً: ظروف الإنتاج العامّة التي مرّت بها المؤسّسة كانت صعبة ومع بداية عام 2005 بدأت بزيادة إنتاج الأفلام إلى أن وصلت إلى إنتاج خمسة أفلام طويلة، لكن في المراحل الأولى كانت هناك أسماء مخرجين سينمائيين كبار كانوا ينتظرون وقتاً طويلاً ربما لسنوات حتّى يحصلوا على فرصة لإخراج عمل سينمائي لذلك كان من الصّعب إنتاج فيلم للطّفل وفي مراحل لاحقة بدأت تظهر فكرة إنتاج فيلم سينمائي للطّفل وكانت الباكورة «خيط الحياة»، بعدها حاولت المؤسسة زيادة الاهتمام بسينما الطّفل وهنا بدأ أوّل إجراء أو بحث دقيق عن فيلم للطّفل وأطلقت مسابقة الفيلم الواقع الرّاهن ومسابقة فيلم الطّفل وبدأت تتجمع السيناريوهات، وضمن هذا التّوجّه بدأنا بتوجيه مشروع للسينما هو دبلوم العلوم السينمائية وفنونها وضمنه كنا نضع قواعد لمشروع سينما الطّفل وكنا بحاجة لدعم مالي لم نحصل عليه وأُجّل المشروع سنتين وكان لدى المهند مشروعه الخاص في مدارس أبناء وبنات الشّهداء وتعاونا معه في مشروع «يلا سينما» وبالموسم نفسه بدأ مشروع سينما الطّفل وأنجزنا موسمين وللأسف في الموسمين الثالث والرّابع توقّفنا بسبب “كورونا”.
ويتابع: في مشروع سينما الطّفل كانت لديّ مسؤولية مضاعفة عشرات المرّات عن مشروع الدّبلوم لأنّ الطّفل بحاجة إلى اهتمام كبير.. كان لديّ قلق وتفكير ماذا لو تأخّر أحد الأساتذة؟ وكانت لدينا اختصاصيات اجتماعيات من مدارس أبناء الشّهداء قادرات على التّعامل مع الأطفال وهذه المسؤولية المضاعفة جعلتنا نوقف المشروع من أجل السّلامة العامّة ولولا ذلك لتقدّمنا أكثر وكنّا ما حصرنا المشروع بدمشق فقط.
ويتحدّث خبّاز عن تجربته مع وزارة التربية ومؤسسات أخرى، يقول: طرحنا على وزارة التّربية أن نشتغل على أفلام قصيرة من المناهج لتسهيل وصول المعلومة إلى الطّفل وانتظرت شهوراً وحتّى اليوم لم يصلني أي جواب! واشتغلنا على فكرة أن يكون في كلّ مدرسة صالة لعرض الأفلام وشكّلنا لجنة هندسية للكشف على المدرسة ومع مرور الوقت خفّضنا السّقف إلى وجود مكان يصلح لهذا الهدف وطلبنا بعض الأمور اللوجستية وما زلنا ننتظر.
الممثلان اليافعان شادي جان وربيع جان لهما وجودهما في الدّراما التّلفزيونية والمسرح وكذلك في السينما يتحدثان عن تجربتهما وعن أهمية وجود فيلم ناطق باللغة العربية يحاكي الطّفل العربي بصورته ونصّه وشكله ولونه وشخصياته، يقول شادي: لدينا محاولات فردية وحتّى من يحاول يجد عقبات منها النّجوم.. أنا كنت موجوداً بمشروع السّينما الذي توقّف بسبب “كورونا” وللأسف كلّ الدّول عادت إلى حياتها الطّبيعية إلا نحن، دائماً الشّماعة موجود قبل “كورونا” كان الجانب المادي هو السبب واليوم ننتظر شماعة قادمة.. نحن بحاجة لمنتج ومخرج مثقف وشجاع وشركة تتبّنى العمل بشكل صحيح.
وينوّه هنا عرسان بأمر مهم، فيقول: يجب أن يكون المنتج مثقفاً قبل أن يكون شجاعاً، لدينا بعض المنتجين في القطّاع الخاص شبه أميين فكيف بهم ينتجون فيلماً يخصّ الطّفل؟.

ت: صالح علوان

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار