تفترض عملية الترجمة، قبل أي اعتبار، أن يتقن المترجم لغة النص الأصلي، واللغة التي يترجم إليها، وفي واقع الترجمة، أنّ مترجمين عديدين كانوا على دراية باللغات الأجنبية، أكثر من درايتهم بلغتهم العربية الأمّ، وكانوا يرتكبون أخطاء في الصياغة أكثر مما يرتكبون أخطاء في النحو والإملاء، خلافاً لما يحدث في المشهد الراهن في سياق وجود كوارث فعلية في استعمال اللغة العربية التي تبدو في النصوص المعنية بهذه الالتفاتة لغة مجرّدة من القواعد والضوابط، ومجرّدة من التزامها بالنظام النصّي الذي يؤدّي التزامه إلى إنتاج معنى ما، حتى لو اقتصر النسق النصّي على سرد خبر بسيط مؤلّف من بضع كلمات.
من اليسير، ومن الشائع، أن ينسب المترجمون الرديئون أخطاءهم الفادحة إلى الطباعة الرديئة، واضعين أوزارهم على عاتق عمّال الطباعة، ودور النشر، لكن القارئ يستطيع من غير عناء كبير، ومن غير امتلاك خبرة لغوية اختصاصية، تمييز الأخطاء الطباعية عن تلك الناجمة عن جهل المترجم باللغة العربية، وعن استهانته بنحوها وإملائها اللذين يجب أن يعرفهما تلميذ الصفوف الأولى من التعليم الأساسي في سورية، هذه المشكلة سبق التفكير فيها وفي خطورتها على غير صعيد، بما فيه الصعيد الرسمي الممثّل بالدولة والهيئات ذات الصلة بالموضوع، والمشكلة المتفاقمة في هذا السياق تتمثل في عدد من الأمور التي جرى تفصيل بعضها، والإشارة العابرة إلى بعضها، ومن ذلك تمثيلاً لا حصراً ما هو ماثل في ترجمة نصّ روائي مهمّ عن اللغة الفرنسية عنوانه (ماذا جرى للمتوحّش الأبيض) ونشرته دار نينوى، وفي هذا النص أخطاء لغوية فظيعة تشي بأن مترجمته لا علاقة لها باللغة العربية، حيث تعجز عن التفريق بين أدوات النصب والجزم، ولا تولي أي أهمية لجمع المذكّر السالم، والمؤنّث السالم الذي تنهيه بفتحتين تلحقان التاء المبسوطة، وغير ذلك كثير إلى حدود مؤسفة تثير الغثيان أكثر مما تثير السخط.
تشي هذه الاستهانات المتكررة بالنص العربي، والاحتقار المضمر لقارئ النص، والاستهانة بذكائه، بوجود منافسة بين دور النشر الخاصّة التي تسعى كلّ منها إلى الاستئثار بترجمة نصّ يبدو (بيّاعاً) رائجاً من الناحية التجارية، وعلى ذلك يكلّفون بترجمته من يقع بين أيديهم، والمهمّ أن يسبقوا سواهم إلى عملية الترجمة، وليذهب القراء ومعارفهم وخبراتهم إلى الجحيم، ما يستدعي ضرورة ضبط هذه المؤسسات الخاصّة والعمل على إلزام منشوراتها باعتماد اللغة العربية السليمة، حتى لو أدى الأمر إلى إلزامها بتوظيف مدقّق لغوي مختص، مهما كانت التكلفة.