مفاضلة زراعية

إن الوضع المائي ينذر بالخطر نتيجة انخفاض منسوب المياه الجوفية وتراجع غزارة الينابيع حتى جفاف بعضها، وذلك بسبب قلة الهاطل المطري والاستجرار الجائر من الأحواض المائية بعد أن استفحلت ظاهرة الآبار الزراعية المخالفة التي حفرت بالآلاف مستغلة الظروف التي سادت خلال سنوات الحرب على سورية.
إن استمرار ما يحدث يهدد بكارثة مائية قادمة لن تلحق الأذى بالزراعة فقط بل ستضر أيضاً بواقع مياه الشرب، ما يتطلب صحوة وتحركاً مسؤولاً لمعالجة وضع هذه الآبار وترشيد استجرارها المياه للأغراض الزراعية، على أن يتم التوجه إلى المفاضلة بين زراعة أنواع الخضار واعتماد الأساسي منها للمائدة والتصنيع والأقل احتياجاً للماء، وعلى سبيل المثال لا داعي للتوسع بزراعة الجزر الذي يعد من أكثر الخضار استنزافاً للمياه في كل مراحل نموه حتى جنيه وغسل ثماره وتسويقها.. كذلك ليس ضرورياً التوسع بزراعة البطيخ و«المقاثي» واللفت والخس والفجل لأنها ليست مهمة إذا ما تم قياسها بمحاصيل رئيسية أخرى ضرورية لغذائنا ولاسيما البندورة والبطاطا ومن بعدها الباذنجان والكوسا والبصل والثوم وغيرها حسب سلم الأولويات.
معروف أن هناك خطة إنتاج زراعي يتم إقرارها سنوياً ويفترض أنها تراعي الأولويات، لكن المشكلة تكمن في عدم الالتزام بها وخاصةً ضمن الظروف الراهنة، والملاحظ أن ما يهم الفلاح حالياً هو زراعة المحصول الأقل تكلفة والأكثر ربحية مهما كان نوعه ومن دون أي اعتبار لأولوية احتياجه.
إذاً في ظل نقص كميات مياه الري سواء كانت من المخزون الجوفي أو مشاريع الري الحكومية فإن الضرورة تقتضي التوجه إلى المحاصيل الأكثر أهمية وذات الاحتياجات الأقل للمياه واعتماد التخطيط للمساحات المروية على كل المصادر المائية وفق المتجدد المائي المتاح والحدّ ما أمكن من التوسع في المساحات المروية على المياه الجوفية (الآبار)، وإعادة تأهيل مشاريع الري الحكومية وإدارة مياهها بشكل لا يسمح بالهدر توازياً مع ضرورة الاعتماد الكلي على طرق الري الحديث التي تزيد من الإنتاجية في وحدة المساحة وتقلص الهدر.. علماً أن ذلك ليس في مصلحة الزراعة فقط بل يصب أيضاً في عدم تعريض مياه الشرب للخطر التي تتقدم في أهميتها على أي أولويات أخرى.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار