لماذا لايستمع المثقفون إلى بعضهم البعض؟

(علّمتني القراءة الطّويلة المتأنية أدب الاستماع .. فالقارئ لا يتكلّم وإنّما يستمع طويلاً وعميقاً إلى الذي يقرأه).. يقول الكاتب والصّحفي المصري أنيس منصور في أدب الاستماع، ويقول بعض علماء النّفس والاجتماع؛ إنّ المتحدث الجيّد مستمعٌ جيدٌ، ومن لا يحسن الإصغاء لا يحسن الحديث، ويميل بعضهم إلى تعريف الإصغاء بأنّه العملية التي يتمّ من خلالها تحويل اللغة المتكلم بها إلى معنى ما في العقل، وعندما يفهم الإصغاء على هذا النّحو؛ فإنّه يشمل الإحساس والتفسير والتقييم والاستجابة.
كما يعرّف البعض فنّ الإصغاء؛ بأنّه الحصول على معلومات من المتحدّث أو الآخرين مع التزام الهدوء، وعدم إصدار الأحكام المسبقة، وإشعار المتحدث بالاهتمام مع التّعليق بصورة موجزة ومحددة على ما يقوله شريطة محاولة تدعيم أفكاره وآرائه، وهو كما تعرّفه بعض جمعيات التّواصل الاجتماعي بأنّه عملية استقبال واستيعاب الأفكار والمعلومات من الرّسائل الشّفهية المنطوقة، أمّا الاستماع الفعّال فيتضمن الفهم النقدي والواقعي للأفكار والمعلومات التي نحصل عليها عن طريق اللغة الشفهية.
ويميّز علماء النّفس والاجتماع بين أنواع ثلاثة للإصغاء؛ الأوّل: ذاتي، والثّاني: يكون بين شخصين، أمّا الثّالث: فمربط فرسنا، وهو الإصغاء الجماعي كالذي يكون في المحاضرات والنّدوات والمؤتمرات، كما يميزون بين الإصغاء والاستماع، ويقسّمون المستمعين إلى مصغ ومدّعٍ وذاتي أو أناني ومستمع محدود الاهتمام ومستمع فضولي، ولا داعي لشرح مُفصّل عن كلّ نوع من هؤلاء، فالمتابع للمحاضرات والنّدوات والأمسيات والأصبوحات يستطيع تمييز كلّ مستمع عن الآخر، ولاسيّما أنّهم لا يخفون أنفسهم.. فأصواتهم تعلو على صوت المحاضر والأحاديث المهمة لا تأتي إلا عندما يدخلون قاعة المحاضرات، ويبدأ الهمز واللمز.. ويغادر القاعة من لا يحبّ أن يسمع إلّا صوته، وصوت أصدقائه، وفي حال أراد أن يدلي بدلوه أو يقدّم مداخلته أو سؤاله حسبما يقول؛ فإنّه يلقي محاضرة أخرى قبل الوصول إلى الزّبدة ، في حال وصل.
لماذا لا يستمع أو يصغي المثقفون لبعضهم البعض؟!! هل هي الغيرة، أم انعدام المصالح، أم الملل الذي يتدفق إلى الأرواح الخاوية والعقول المشغولة بأمور كانت الثّقافة واجهةً لها لا أكثر!!.
لماذا يصعد أديب إلى المنبر، ويقدّم مشاركته أو مداخلته ويصفق له الجمهور من أصدقاء ومعارف ومهتمين.. وما إن يحين دور أديب آخر حتّى يترك القاعة ليدخن سيجارةً؛ لن يخسر جائزة إن لم يُدخنها، ومن ثمّ يعود إلى الأحاديث الجانبية؟.. لماذا لا ينتظر المثقفون بعضهم البعض حتّى الانتهاء تماماً من محاضراتهم؟ ولماذا يصيرون مثل الأطفال الصّغار بحاجة لمن يذكّرهم بضرورة التزام الصّمت أو الهدوء أو إغلاق هواتفهم النّقالة أو عدم الرّد عليها وهم في مقاعدهم في حال كان الاتّصال ضرورياً أو منتظراً؟ لماذا تصبح قاعة المحاضرات أشبه بالـ(الحمام المقطوع الماء) حين تترافق المحاضرة بتوقيع كتاب وتوزيعه مجاناً؟ هل يفترض أن يباع الكتاب حتّى يستمع المثقفون لبعضهم البعض؟.
إن حلّلنا الأمر أكثر سنفكّر في المحاضر ذاته، قد لا يكون متمكّناً أو ملمّاً بالموضوع، وقد لا يكون معتاداً على اعتلاء المنابر، وقد يكون العكس تماماً.. لكنّ النّفس والمزاج لم يكونا في أحسن حال، وقد يكون المحاضر ملمّاً بكلّ الموضوع ومرتاحاً ومثقفاً لكن خانته المسافة أو خانه الصّوت، أو لديه مشكلة صحية لا يستطيع أن يرفع صوته أكثر.. هل يعني هذا أن تصبح القاعة كروضة الأطفال وتُوجّه الملاحظات إلى كلّ شخص باسمه؟
لماذا لا تصبح ثقافتنا سلوكاً في حياتنا اليومية من أبسط المواقف إلى أكثرها تعقيداً؟! لماذا لا نستفيد من قراءاتنا الكتب والرّوايات والدّراسات والقصائد والقصص القصيرة والطّويلة؟ لماذا تبقى أفكارنا الإيجابية حبيسة الكتب، أو مجرد أفكار ننظّر فيها على الآخرين؟.
ونعود إلى ما بدأنا به.. القراءة تُهذّب الرّوح والنّفس والسّلوك.. لكن على ما يبدو يجب إعادة النّظر فيما نقرأ ومعرفة من نقرأ وإيجاد جواب مقنع لسؤال كان من المفترض أن يكون بدهياً ألا وهو: لماذا نقرأ؟!!..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار