الأسواق ومنظومتها السعرية و الموروث الشعبي

تعد الأسواق كبوتقة تجمع كلاً من البائعين والمشترين، أو المنتجين والمستهلكين أو من يمثلهما في مكان وزمان محددين، وقد تكون مكاناً جغرافياً مثل الأسواق التجارية بأنواعها المختلفة وفيها يتم التسويق عن قرب، وقد تكون الأسواق عن بعد مثل التجارة الإلكترونية أي التسويق عن بعد، وفي كل الأحوال فإنه من خلال اللقاء بين القوى المؤثرة في السوق تتحدد منظومة الأسعار لكل من السلع والخدمات، وبعدها تصبح الأسعار Prices”” كمؤشرات “Signals” يهتدي بها كل من الطرفين أي البائع والشاري والمنتج والمستهلك، والمنتجون أو البائعون هنا يمثلون قوى العرض، أي يحددون كمية المنتجات في السوق، ومن جهة أخرى فإن المشترين أو المستهلكين هم يحددون قوى الطلب، ومن خلال لقاء منحنيي كل من قوى العرض والطلب (Supply &Demand) تتحدد منظومة الأسعار وعلى ضوئها يتم تحديد التوجهات الإنتاجية والاستهلاكية لكل من المنتجين والمستهلكين، ويتجسدّ واقعياً بالتوجهات الإنتاجية الاستثمارية وطلبات الزبائن اعتماداً على الأسعار السائدة أو الأسعار التوازنية التي تعبّر عن الاتفاق بين البائعين والمشترين أو المنتجين والمستهلكين، وكما تتباين السلع والخدمات في السوق فإنه تتباين أيضاً أنواع الأسواق، فمنها (الأسواق الكبيرة – الأسواق التجارية – الأسواق الافتراضية – الأسواق القديمة – الأسواق الشعبية …الخ )، ويمكن أن تكون « احتكارية تامة أو للقلة أو تنافسية ..الخ »، وقد تكون « تخصصية أو عامة أو متنوعة » وقد تكون أسواقاً لتجارة الجملة أو المفرق أو الاثنين معاً، أو أن تكون حديثة أو تقليدية أو أسواقاً للسلع من المواد الأولية أو السلع الوسيطة أو تامة الصنع، وقد تكون داخلية أو خارجية ..الخ، ولهذه الأسواق وعلى اختلاف أنواعها دور هام في المجتمع حيث تؤثر وتتأثر به، سواء من خلال المساهمة في تفعيل دورة النشاط الاقتصادي وزيادة معدل النمو ومتوسط الدخل وتشجيع السياحة وإيجاد فرص عمل وتقليل معدل البطالة وتأمين القطع الأجنبي وغيرها، ويعتقد الكثير أن العوامل المؤثرة في الأسواق هي ذات طبيعة اقتصادية فقط ، ونحن لا ننكر ذلك لكن توجد مؤثرات أخرى مجتمعية تؤثر بها، وكمثال على ذلك قضية تسويق ( الخمارات السود ) في العهد الأموي بأغنية (قل للمليحة في الخمار الأسود)، وهذه القصيدة عمرها حوالي /1300/ سنة، وهي للشاعر ربيعة بن عامر التميمي والمشهور باسم « مسكين الدارمي »، وكان من المغنين والظرفاء في الحجاز و معروف عنه قصصه الغرامية، لكن بعد أن كبر في السن تفرغ للعبادة وأصبح يتنقل بين (مكة والمدينة )، وخلال إحدى سفراته التقى بصديق له من العراق ويعمل في التجارة، فسأله عن أحواله فعبّر التاجر العراقي عن انزعاجه من عدم قدرته على تسويق (الخمارات السوداء) التي أحضرها من العراق وهي تشكل القسم الأكبر من بضاعته، فقال له التميمي لا تهتم يا صديقي سأبيعها كلها، ومباشرة بدأ بتنظيم قصيدته المعروفة والمشهورة، والتي لا يزال المطربون يغنونها حتى الآن وهي من أجمل القصائد والأغاني وتقول :
قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد.

قد كان شمرّ للصلاة ثيابه حتّى وقفت له بباب المسجد.
فسلبت منه دينه ويقينه وتركته في حيرة لا يهتدي.
رديّ عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق دين محمد.
ومباشرة بدأ المغنون يغنونها لرقة كلماتها ولشهرتها وشاع الخبر في المدينة بأن الشاعر (الدارمي) قد رجع عن تنسّكه و زهد وعشق صاحبة الخمار الأسود، فلم تبقَ مليحة إلا اشترت من التاجر العراقي خماراً أسود لها، فلمّا تيقن (الدرّامي) أن جميع الخمر السوداء قد نفدت من عند صديقه ترك الغناء، ورجع إلى زهده وتنسكه ولزم المسجد، وهكذا يتبين لنا تأثير الموروث الثقافي في التسويق وكيف سخّر الشعر لذلك، فهل نعيد إلى أسواقنا ثقافتها ورونقها و هويتها وتنوعها ولمختلف أنواع السلع السورية المعروفة، وهذا سيسهم بشكل مباشر في تعزيز اقتصادنا وتفعيل إعادة الإعمار والبناء ؟!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار