لغة

لايزال الجانب اللغوي في كثير من المحاولات المعاصرة في الكتابة في منأى عن اهتمام السائرين على دروب الأدب، ولا يزال هؤلاء في منأى عن متناول أو حتى ملاحظات النقاد العابرة، وهذا في حدّ ذاته عاملٌ يشجّع كثيرين على استسهال خوض غمار الكتابة، متوهمين أن الاشتغال بالأدب هو مجرّد عواطف وتجميع مفردات من هنا وهناك، وإذا أبعدنا كل المقومات المهمة الأخرى التي تجعل الأدب متكاملاً شكلاً ومضموناً وأبقينا على مقوّم اللغة، لكان بإمكاننا كتابة صفحاتٍ وصفحات عن أهميتها وموجبات حضورها القويم لفظاً ودلالةً وإشارة، وخاصةً فيما يخصُّ لغتنا العربية التي تضم من التنوع والغنى ما تفتقر إليه كلّ لغةٍ سواها مهما كانت منتشرةً في الطول والعرض..
وإذا كانت للّغة أهميتها من حيث ذاتية مفرداتها ومن حيث هي جنسٌ قائمٌ بذاته، فإنّ لها أيضاً قيمةً مضافةً حين تدخل في النص الإبداعي، فهي دلالةٌ تصويرية متجددة تتبع في تجددها ملكة المبدع وتنهج به نهجاً إبداعياً قد يضفي على كتاباته خاصيةً لغوية إضافةً إلى الخاصية النصية، ولعلَّ من أهم وأخطر ما يبوّئ اللغة تلك المكانة في النص الإبداعي هو تحوله بها إلى مرجعٍ يحاجج به، حتى ولو كان المعنى الذي أراده المبدع على سبيل الاستعارة والمجاز، وتلك أحد أهم علامات التميز في مفهوم اللغة ووظائفها، فالمجاز اللغوي يسمو بالكاتب واللغة معاً، حتى يصبح شرحُ المفردة نوعاً من المحاولات غير الموفقة في تبيانها، ولعل الشرح الحرفي يصبح مساهماً في خفض مستوى المعنى المجازي الذي يكره الشروحات ويحبّ الفهم على سياق الإشارة التي تكون لذوي الألباب خاصةً، ومن المفيد أن يعلم المتهاونون بالشرط اللغوي في الإبداع الحقيقي أن الإبداع بلا لغةٍ سليمةٍ هو عزفٌ ناقص على آلةٍ لا وتر لها، فكيف إذا علمنا أن النصَّ الإبداعي بشكلٍ عام والشعري بشكلٍ خاص كثيراً ما يرتقي إلى مستوى الشاهد اللغوي، فيكون سبباً وعذراً يجيز الأخذ على خُطاه والتعليل بمقتضاه، فيا أيها الراغبون بسلوك الدرب لا تستسهلوا اللغة ولا تنسوا أنها هي أيضاً من عُمد الموهبة فإن فقدتموها هزلت نصوصكم وأصابها الوهن والنقصان.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار