العرب وحرب المياه القادمة!
يعدّ الأمن المائي من أهم مرتكزات الأمن الغذائي والأمن الوطني الشامل، وتعدّ المياه الآن من أهم وأكبر بؤر التوترّ في العالم، وترتسم في الأفق الدولي معالم صراعات كبيرة وخلافات دولية حول تقسيم المياه والتحكم بها، وأصبح الأمن المائي مرتبطاً بشكل مباشر بالسيادة لأي بلد من بلدان العالم بشكل عام وفي منطقتنا بشكل خاص، والمنطقة العربية تعاني من عجز وفقر مائيين وستزداد المشكلة قريباً ومستقبلاً، فهل نشهد صحوة عربية لحماية الموارد المائية كما فعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سنة /1964/ بالدعوة لاتخاذ موقف موحد ضد قيام العدو الصهيوني بتحويل مجرى نهر الأردن؟ خاصةً أنه حالياً تتزايد معالم خلافات بين العرب ودول الجوار وقد تتحول إلى أزمة ومن ثم إلى حرب مع خصوم ثلاثة موحدين في خططهم وأهدافهم وبرامجهم وهم (الكيان الصهيوني والنظام التركي وإثيوبيا)، وستتفاقم الأمور العربية سوءاً في ظل التوترات المناخية، خاصة أنّ نسبة الصحراء إلى المساحة العربية تشكل أكثر من /40%/ من مساحة الوطن العربي، وأغلب الموارد المائية تقع خارج الحدود العربية وهذا يشكل ضغطاً على الأمن المائي العربي وكمثال على ذلك إجراءات النظام التركي بخرق الاتفاقيات الدولية وإنشائه الكثير من السدود على نهري (دجلة والفرات) وعدم احترام علاقات الجوار مع (سورية والعراق)، ومن هذه السدود نذكر على سبيل المثال وليس الحصر (سد أتاتورك – سد كئبان – أليسو – سيزر – دجلة فرال فيزي)، وهذا أضرَّ بالشعبين السوري والعراقي واقتصاد البلدين وزاد من حالات التلوث والجفاف والملوحة والتصحر وسبّب أضراراً كبيرة في الاقتصاد الزراعي وتعريض الملايين للعطش وإيقاف الكثير من المنشآت الصناعية والكهربائية وأضراراً كبيرة بالثروة الحيوانية …إلخ، وتزداد المشاكل العربية من ناحية تأمين المياه ليس في سورية والعراق فقط، فها هي إثيوبيا بالتنسيق مع الكيان الصهيوني أيضاً تمارس ضغوطاً على ( مصر والسودان) من خلال توسيع (سد النهضة) على نهر النيل وعلى حساب مصلحة البلدين، ومن باب المقاربة فإن نهر النيل بالنسبة لهما مثل دجلة والفرات بالنسبة لسورية والعراق، ومن جهة أخرى نجد أن مياه لبنان والأردن وفلسطين تتعرض للسرقة العلنية من الكيان الصهيوني، كما نشهد أيضاً بداية صراع بين (موريتانيا والسنغال) حول نهر السنغال الذي ينبع من غينيا ويصبّ في المحيط الأطلسي فاصلاً بين موريتانيا والسنغال فهل يكون هذا سبباً في موقف عربي يمنع إخضاعنا للقوى الاستعمارية من خلال التحكم بقطرة الماء؟!، وقد قال رئيس كيان الاحتلال الصهيوني (ديفيد بن غوريون) سنة /1955/ إن «الحروب القادمة مع العرب هي حرب على المياه»، وهذا يفسر التعاون بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والنظام التركي وإثيوبيا في مجالات عديدة ومن أهمها التحكم في المياه، كما أكد (معهد الموارد الدولي) سنة /2015/ أن الدول العربية بأكملها ستتعرض لأزمات مائية كبيرة من فقر وعجز مائيين، ولاسيما أن حوالي /67%/ من المياه العربية تأتي من خارج العالم العربي، وهذا يتطلب منا التفكير الجدي بمواجهة هذه الأزمة وأن نضع خريطة مائية تعتمد على (الحصاد المائي) الذي يعني تجميع المياه في مواسم الهطول في سدود وأحواض مائية، والمحافظة على الثروة المائية المتاحة، وإذا كان حبي للعالم يبدأ من حبي لعتبة بيتي كما قال الشاعر الداغستاني (رسول حمزاتوف) فإني أدعو إلى المحافظة على كل قطرة ماء لسورية وفي سورية، وسأبدأ من نهر بردى كحالة عملية، فهذا النهر تربطه علاقة عشق أبدية مع أقدم عاصمة مأهولة في العالم وهي (دمشق) وغوطتها أيضاً، وكان شاهداً على حضاراتها وتاريخها منذ الحضارة الرومانية سنة (27 قبل الميلاد وحتى الآن)، وإذا قال المؤرخ الإغريقي (هيرودوت) قبل الميلاد إن (مصر هي هبة النيل) فنحن نقول إن (دمشق) هي هبة بردى، الذي يبلغ طوله /71/ كيلو متراً، وتختلف الروايات حول سبب تسميته (بردى)، فالبعض يقول إنه يعود إلى كلمة (باراديوس)، أي نهر الفردوس والعرب أطلقوا عليه هذا الاسم بسبب برودة مياهه والبيزنطيون سمّوه نهر الذهب واليونانيون نهر (فريسيو روس) وأسبغوا عليه صفة القداسة، ومدحه الشاعر (حسّان بن ثابت) بقصيدته التي يمدح بها آل جفنة الغساسنة بقوله: (أولاد جفنة حول قبر أبيهمُ – بردى يصفق بالرحيق السلسل)، ومدحه الشاعر الأموي (جرير) وتغنت به مطربتنا الكبيرة (فيروز) بأغنيتها (أنا صوتي منك يا بردى- مثلما نبعك من سُحبي- ثلج حَرْمون غَذَانا معاً – شامخاً كالعزِّ في القُبَب)، فهل نسعى لرفع التلوث عنه ونحافظ عليه ونبدأ باستنفار كل الفعاليات لمنع التعدي عليه وهو بمنزلة رئة دمشق ونعيد الحياة إليه كما كانت.