قضايا “التزويج المبكر” على خشبة المسرح التفاعلي
معالجة مشكلات اليافعين عبر الفنون أثبتت جدواها عالمياً، حيث يأخذ الجانب التفاعلي دوره الكبير في إثارة الأسئلة وتقديم الإجابات والإضاءة على الجوانب المعتمة في حياة الشباب.. فالظروف الاجتماعية أثبتت أن مشكلات اليافعين تحتاج إلى فكر جديد في البحث وتقديم مقترحات المعالجة من دون أسلوب تنظيري لا يحبذه الشباب لأنهم لا يشاركون فيه.. في هذا الإطار قدم مشروع (بعدنا صغار +18) في مؤسسة (موج) سلسلة نشاطات ثقافية وفنية هدفت إلى نشر الوعي إزاء قضايا هامة على رأسها الزواج المبكر بهدف كشف آثاره لدى اليافعين واليافعات في المجتمع وخاصة منطقة القلمون الغربي حيث أقيم هذا المشروع..
أحد هذه الأنشطة كان “المسرح التفاعلي” الذي قدم طروحات اجتماعية وحياتية تهمّ الشباب، وقدمها مجموعة من الهواة بأسلوب ارتجالي يتسم بروح التفاعل مع الحاضرين، بالإضافة إلى إكسابهم أدوات المسرح المختلفة الذي يشكل جزءاً أساسياً من التدريب. وتعرف المشاركون في هذا التدريب على الفرق بين مفهومي الجنس والنوع الاجتماعي وتطرقوا إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي وأسبابه وأشكاله المختلفة ونتائجه مع التركيز على قضية التزويج المبكر، وتعلم المشاركون المسؤولية المجتمعية وأهمية دورهم كشباب في رسم شكل المستقبل المبني على قراراتهم اليوم وعلى سلوكياتهم الناتجة عنها، إضافة إلى تثقيف الأقران لمنح اليافعين وسيلة للتغيير وتنمية دورهم تجاه أقرانهم، وتم رصد مجموعة من اللقاءات والمقابلات مع فريق المؤسسة والمشاركين في المشروع خلال زيارة قامت بها (تشرين) إلى أحد النشاطات الثقافية الذي حاكى مفهوم التزويج المبكر وآثاره على اليافعين..
مناهضة التزويج المبكر
أشارت مايا محمود مدربة مختصة في تقنيات المسرح التفاعلي إلى ضرورة مناهضة التزويج المبكر بكل الوسائل المتاحة وتحدثت عن دور الثقافة والمسرح في التمكين الاجتماعي ، وأكدت بأن المسرح التفاعلي يمنح المؤدين منصة لتسليط الضوء على القضايا التي تهمهم ويشرك الجمهور في العرض بشكل أساسي وهذا ما يجعله أداةً للتغيير، بالإضافة إلى طبيعته التي تجعله منطلقاً من قضايا الناس وموجهاً لهم في بيئاتهم نفسها، في الشارع والمدرسة وغيرهم. كما أن المسرح التفاعلي كأداة في حد ذاته يطرح القضية من جوانب وأبعاد مختلفة، وعندما يشاهد الحضور القضية أمامهم ويضعون أنفسهم مكان الشخصيات ويختبرون المشاعر التي تحس بها ويرون الموضوع من وجهة نظرهم، وهذا يسهم في تشكيل تساؤلات لديهم حول موضوع لربما كان بدهياً بالنسبة لهم سابقاً ولم ينظروا له بهذا الشكل من قبل، وهذا يعتبر نواة التغيير.
وأضافت بأن التقنيات التي تم استخدامها في المسرح التفاعلي بغية الترويج للوعي بخصوص التزويج المبكر تضمن التدريب على لعب الأدوار من خلال تمارين تحاكي أدواراً موجودة في مجتمعنا ليختبر المشاركون التمييز الذي تتعرض له الفئات المختلفة ويتشكل لديهم وعي حول السلوكيات التي يمارسونها بشكل تلقائي دون وعي ويتمكنوا من تغييرها في المستقبل، ونوهت مايا بأن التدريبات تضمنت تقنيات العصف الذهني من خلال مجموعات طرحت عدداً من النقاشات حول مواضيع العنف القائم على النوع الاجتماعي والتزويج المبكر خصوصاً، بالإضافة إلى عروض إيضاحية وألعاب تفاعلية ، وتم تجسيد هذه التقنيات من خلال تمارين تأمل وفرضيات ومشاعر، كما تعلم المشاركون كيفية بناء الشخصيات وأساسيات العرض المسرحي.
وأكدت بأن استخدام الفن وإشراك الشباب في تصوير هذه القضية وطرحها للمجتمع يجعلهم يتبنون القضية ويزيد من إيمانهم بها ويصحح معلوماتهم الخاطئة حولها ويسهم في إيصالها إلى أقرانهم الذين يتقبلون الطرح بشكل أكبر عندما يقدم بأسلوب فني ويشركهم في القضية وعندما يقدم لهم من قبل أقرانهم.
الحد من التزويج بإشراك أصحاب المصلحة
وأكدت فاطمة رومية مسؤولة المتابعة والتقييم في مشروع بعدنا صغار أن الهدف من المشروع المساهمة في تعزيز وعي 5% من اليافعين واليافعات في مدينة النبك والمدن والقرى المجاورة والمنتمين للفئة العمرية 14 ـ 18 عاماً والتوعية على أثار التزويج المبكر وحق الفتيات في اختيار متى ومن يتزوجن.
وقالت :عملنا على دمج أدوات الفن وأساليبه من مسرح تفاعلي ودمى متحركة عبر مجموعة متنوعة من الأنشطة التي تساهم في تحقيق التغيير الذي نسعى إليه من خلال المشروع والسبب بهذا الاختيار هو إشراك أصحاب المصلحة من يافعين ويافعات وأسرهم للوصول إلى التغيير المنشود في قضية الحد من تزويج القاصرات وتمت معالجة الموضوع من وجهة نظر اليافعين الذين طوروا النصوص والأفكار والمواضيع المطروحة خلال التدريب بالأيام السابقة للعرض وبعدها أُجريت مناقشات غنية مع الحضور حول التزويج المبكر وأسبابه وآثاره ومخاطره على صحة الفتاة وعدم استقرار العائلة.
الرأسمال الاجتماعي مخزون المجتمعات الثقافية
أكد الخبير الاقتصادي د.علي محمد على ضرورة التوجه في تعزيز الأبعاد الاجتماعية في المجتمعات وخاصة الأنشطة الثقافية، والعمل على استغلال الثقافة كأداة لتحقيق أهداف اقتصادية معينة تسهم في زيادة رأس المال الاجتماعي والاقتصادي، وتعزيز أخلاقيات المجتمع، وهذا يتطلب بطبيعة الحال توفير التمويل اللازم للقطاع الثقافي والاعتراف بدوره الهام، وأشار بأن تحقيق أي تنمية اقتصادية وزيادة في رأس المال الاجتماعي يبقى منقوصاً إذا لم يتضمن تعزيزاً للثقافة المجتمعية وزيادة في الأنشطه الثقافية، فقد أضحت الثقافة أساساً لأي استراتيجية تنموية اقتصادية لما تسهم به من تكوين وزيادة رأس المال الاجتماعي جراء العلاقات الاجتماعية التي يتم إنشاؤها من خلال الأنشطة الثقافية المختلفة والتي تلعب دوراً مزدوجاً لكونها تعزز الروابط بين الأفراد ما يسهم في تنمية الشعور بالمجموعة ويسهم بتماسك المجتمع، وبنفس الوقت فإنها تربط العديد من الطبقات والأفراد بعضهم البعض على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم مايسهم في التنوع وكسر الحدود فيما بينهم. وهذا بدوره يعزز رأس المال الاجتماعي والذي يعتبر بحد ذاته الأطول زمناً كونه المخزون الرئيس الذي يميز المجتمعات الثقافية.
وأشار د. علي بأن الأنشطة الثقافية ترتبط مع كل قطاعات الاقتصاد فهي تصدر أفكار ومنتجات وخدمات معينه تتصف بالإبداع في إنتاجها تحت مسمى الملكية الفكرية، وهذه الأفكار الثقافية عندما تخرج من أنشطة ثقافية معينة تندمج مع مدخلات قطاعات الاقتصاد الأخرى التي تنتج منتجات وخدمات، ما يخلق بدوره إنتاجاً (للسلع، للخدمات، للخطط، الخ) بشكل أوسع نطاقاً وأكثر كفاءة وبأقل تكلفة، ما يضفي للصناعات والمنتجات المختلفة في الاقتصاد مزايا تنافسية ودقة في العمل أكثر من غيرها.
وهذه الميزة للنشاط الثقافي تدفعه بأن يجذب عدداً كبيراً من الناس عبر الزمن ما يؤثر على شدة تماسكهم ببعض، الأمر الذي يؤدي الى تحقيق التنمية المحلية ومنها تحقيق التنمية الاقتصادية بشكل عام، ما يسهم في تراكم معرفي ثقافي اقتصادي ينعكس زيادة في رأس المال الاقتصادي للبلد ككل، ويعزز بنفس الوقت من ثقافة الانتماء للهوية لدى المجتمع وزيادة التفاعل والتماسك الاجتماعي الأمر الذي يدفع إلى زيادة العمل الاجتماعي وزيادة سبل التواصل بين الأفراد، وتحفيزهم على زيادة مهاراتهم الإدارية والتنظيمية والمعرفية، وخلق الإبداع لديهم، وأثر ذلك المباشر في زيادة رأس المال الاجتماعي والاقتصادي، وتخفيض بعض النفقات وتنفيذ أسرع للخطط والخروج بأفضل النتائج بأقل زمنٍ وأقل تكلفة وأكثر جودة.