الكاتب شاهر نصر مُتحدثاً عن العَلمانية في الحضارة العربية

إنّ العَلمانية «الدنيوية» كمفهوم، وفكر هي نتاج إنساني عام… مثلها مثل الديمقراطية، والاشتراكية، فكرة، وقيمة إنسانية عامة تهمّ البشرية جمعاء، وممارستها لم تكن غريبة عن العرب والمسلمين، على الرغم من أنّها كمفهوم لم تكن متداولة حرفياً في لغتهم.
«العَلمانية في الحضارة العربية والإسلامية» عنوان المحاضرة التي ألقاها الكاتب والمترجم شاهر نصر في اتحاد الكتاب العرب فرع طرطوس أشار فيها إلى أن أغلب المؤرخين الموضوعيين في العالم اتفقوا على أنّ الحضارة العربية الإسلامية، قامت على قواعد ومبادئ وقيم غايتها تطوير النواحي المادية والمعنوية التي تنظم حياة الإنسان، لرفع شأنه، وجعل حياته سامية، وهي حضارة تهتم بتطور الإنسان عقلياً، وجسدياً، ونفسياً، وسلوكياً؛ فالإنسان أساس الحضارة وبانيها الفعلي، وتتميز هذه الحضارة بأنّها حضارة مادية وروحية، تحثّ على العلم، والبحث، والتفكير، وتقرنها بالممارسة العملية، وتدعو إلى العدل، وتعده أساس الحكم ، لصون كرامة الإنسان، كما أنّها تدعو، بل تلزم بالتعامل بمكارم الأخلاق.
وأضاف نصر: حين نذكر هذه الخصائص، فإنّنا نبين مدى اهتمام هذه الحضارة بالجانب الدنيوي «العَلماني» لحياة الإنسان، لافتاً إلى أن هذه الخصائص أثارت اهتمام أهم مفكري العالم المتنورين، فحاولوا أن يعطوها، ويعطوا مؤسسها حقهما.
ولفت نصر إلى البحث العلمي بيّن في تاريخ تطور الحضارة العربية إبان العصر الوسيط أنّ أسس بناء الدولة أخذت تتناقض عملياً، مع الأيديولوجيا الغيبية، وبدأ العرب بناء الدولة على أسس أقرب إلى المتطلبات الدنيوية العقلانية، منها إلى الغيبية، وأكد بعض المفكرين كالمعري أن «لا إمام سوى العقل»، وتبنى البعض نظرية القدرية التي تؤمن بحرية إرادة الإنسان ضد الجبرية… وطوّر ابن رشد نزعات مادية في فكر أرسطو، فأكد أن المادة والحركة خالدان، وساهم في وضع أجنة المنهج الديالكتيكي… ووضع ابن الهيثم أسس البحث العلمي القائمة على الموضوعية، والشك، والنقد، والتجرد عن الهوى، وطور ابن سينا المعارف التجريبية. كل ذلك يدل على أن للعلمية والعقلانية، وللدنيوية «العَلمانية» جذوراً في الفكر العربي الإسلامي، وهي ليست غريبة عن مجتمعاتنا، ولا عن شعوبنا، أو فكرنا… ولولا تلك النزعات العلمية، والأسس التي استندت على مقومات دنيوية «عَلمانية» لم يستطع العرب بناء دولة يصل إشعاعها إلى أوروبا والصين باعتراف مؤرخي الغرب والشرق الموضوعيين.
وفي بداية ما عرف بعصر النهضة العربية الحديثة يذكر نصر أن الكثير من المفكرين المسلمين دعوا إلى الأفكار العَلمانية، فكان الشيخ رفاعـة رافع الطهطاوي، على سبيل المثال، من أوائل الداعين إلى الأفكار العَلمانية في مصر، بعد اطلاعه على كتب المفكرين الفرنسيين، وترجمته للعديد منها، كما ساند محمد علي على (إصلاح) التعليم، فشرع في تأسيس المدارس النظامية والمعاهد المتخصصة.
ويرى أن تجارب شعوبنا أثبتت أنّ العَلمانية سلاح فعّال لتوحيد الشعوب المناضلة ضدّ الاحتلال، ومقاومة التخلف، وأكبر مثال على ذلك، دور الأفكار القريبة من العَلمانية في توحيد نضال الشعب السوري ضد الاستعمار الفرنسي، فكان قادة الثورة السورية مؤمنين ورعين حقيقيين، ودنيويين (عَلمانيين) في تعاملهم مع مسائل النضال الدنيوي ضد الاحتلال، منوهاً بتوحيد المجاهد سلطان باشا الأطرش مجاهدي الوطن، ومختلف قيادات الثورة من مختلف الأديان، والطوائف، والمذاهب، ومن مختلف المناطق بإجماع وطني منقطع النظير، حينما أطلق الشعار العَلماني «الدين لله، والوطن للجميع»… كما عبرت مواقف المناضل الشيخ صالح العلي عن نهج وطني يعلو على الطائفية والمذهبية والإقليمية، وتجلى ذلك في معاركه ضد المحتل، وفي التنسيق الذي حصل بينه وبين الشريف حسين، وعرف المجتمع السوري عدداً كبيراً من الشخصيات الوطنية كالشهبندر، وهنانو، وفارس الخوري، والجابري، والأشمر، وغيرهم الذين تميزوا بتاريخهم الوطني العريق، وبنشاطهم ومواقفهم وفكرهم المتنور الداعي لتجاوز الطائفية والمذهبية، والنهضة بالفكر والشعب والوطن، ودعوا إلى بناء الدولة على أسس دستورية معاصرة، وهي مواقف عَلمانية بينة، ساهمت في تحرير البلاد من الاستعمار والاحتلال الأجنبي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار