عندما بدأ (كورونا) اجتياحه العالم احتار البشر بهذا العدو، الذي قال أحد الكتّاب إن حجمه أصغر بـ10000 مرة من حجم النقطة في نهاية هذه الجملة، لذلك بدأ الإنسان البحث في كيفية التعريف به، بشكل يصبح عدواً (ملموساً) بتعريته من صغر حجمه الذي يخفيه ويحميه، و لم يجد الإنسان عبر العصور أفضل من (الصورة) للتعبير عن أي شيء.. فهل بدأت مواجهة هذا العدو الفيروس بالتعرف على صورته وتحويله إلى صورة ونشرها كما تنشر صور المجرمين المطلوبين؟
في أواخر كانون الثاني (2019) تم تكليف «أليسا إيكرت» و«دان هينغز» من مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها البحث في طبيعة هذا الفيروس والوصول إلى (رسم توضيحي) له لجذب انتباه الجمهور لهذا العدو وليصبح هذا الرسم التوضيحي (صورة العدو) المهدد للحياة، وبعد البحث تم التوصل إلى صورة للفيروس وهي كرة فضية وعلى سطحها مجموعة من المسامير، وعدّ الكاتب فريد زكريا أن عمل إيكرت وهينغز يماثل أهم أعمال (الفنانين الطبيين) لأن ما أنجزاه بإنتاجهما صورة للفيروس جعل العالم كله أقرب إلى فهم هذا الكائن العدو، وحوّله من كائن مختبئ بصغره إلى عدو مفضوح بصورته التي تبرز مساميره الشرهة لخلايا الإنسان.
وبالفعل لعبت الصورة، صورة الفيروس، دوراً كبيراً في التعريف به وتبيان آلية عدوانه وتخريبه الخلايا البشرية وطرق الوقاية منه وأساليب مكافحته والسعي لإنتاج اللقاح المضاد له، أي إن الصورة، صورة الفيروس، باتت من أوائل الأسلحة التي أشهرتها الإنسانية في وجه هذا العدو الفتّاك.. ولا بدّ للإنسانية من الاعتراف بفضل وفن كل من أليسا إيكرت ودان هينغز كفنانين لا يقلان عن أي فنان مبدع، إضافة إلى أن إبداعهما استند إلى بحثهما العلمي الطبي. ولتلمس أهمية ما أنجزاه يكفينا أن نفكر في الكم الهائل من عدد المرات التي استعملت بها صورة الفيروس التي أنتجاها، إضافة إلى المدى الزمني والعددي الذي ستستمر فيه الإنسانية في استعمال هذه الصورة والاستعانة بها.
نحمد الله أن صورة الفيروس جاءت تقريرية – وصفية – حيادية – جامدة، ولم يكن فيها هذا الملعون منتبهاً للصورة، و لم يبتسم للصورة، كما يفعل من يجلس للتصوير، ورغم ذلك فإن هناك نسخاً من صورة الفيروس ملونة بشكل جميل ما يجعلها لوحة تلفت الانتباه بجمالها، وهذا ربما يسوغه البعض بأن بعض الشياطين ملونة، ولها جمالها الشيطاني، لكن بعيداً عن أي فلسفة أو فذلكة فإن صورة الفيروس ساعدت الإنسانية كثيراً، وربما باتت هذه الصورة، العَلم الذي يرفعه هذا العدو الملعون ضد الإنسانية جمعاء، إنه العلم الذي يفضحه ويعرِّيه وينذر به وينبه إلى خطره ويفتح الطريق أمام البشرية لمكافحته والقضاء عليه.. حتى في مواجهة الفيروس كان للصورة دورها وفعلها… احتفظوا بصورة عدوكم وثابروا في مكافحته.