فتّش عن إنانا
في نظرة للتاريخ الإنساني والاجتماعي، فإنّ المرأة – وهذا كما يحدثنا به التاريخ- إنه بدأ «إبداعاً أمومياً», وذلك منذ الربة «ليليت»؛ تلك الربة التي ظُلمت على مدى التاريخ، وكانت الخيبة، إنّ من أطلق عليها نار الظلم هذا كانت المرأة ذاتها، ذلك أن «ليليت» التي لا تزال الذاكرة الجمعية وفي أنحاء الكون كله، تشتق من ذلك الاسم الذي أعطى لليل اسمه وليس العكس، أسماء لبنات اليوم مثل: ليلى، ليليان، لوليتا، ليال، ليالي، لوليت، وغير ذلك من أسماء اشتقت من هذا الاسم، ومنذ تلك الربة – ليليت- فقد جاء عمل المرأة إبداعياً، فقد كانت ليليت الحكاءة والروائية الأولى في التاريخ، ذلك أن مهمتها كانت في «الهدهدة» للأطفال ليناموا بسكينة واطمئنان، والعمل لتنشئة جيلٍ مسالم، أكثر ما يكون بعداً عن الحرب والعنف، أي كانت مهمتها تربوية بتوصيف اليوم، غير أن تحالف «إنانا وبعل»، وكانا اكتشفا ركوب الخيل مؤخراً، الأمر الذي أتاح لهما فكرة الغزو والاقتحام، ومن ثم العمل على تنشئة جيل مقاتل، وهو من أجله سعيا – إنانا وبعل – لأن «يُلوّثا» سمعة ليليت باتهامها بـ«جنية» الليل التي تخنق الأطفال بشعرها الطويل..
ليس موضوع هذه الزاوية اسطورة حكاية الربة ليليت، وإنما الهدف أن المرأة التي كانت سباقة في الاشتغال على بعض صنوف الإبداع، غير أنها قاربت في خجلٍ كبير صنوفاً إبداعية أخرى، وصنوفاً تالية لم تقربها أبداً، وإذا كنا لسنا مع هذا الفصل بين الذكور والنساء، والجندر الإبداعي- إن صحّ التعبير- والذي كثُر به الحديث على مدار عقود طويلة، غير أنّ ثمة ملامح، وهي أن المرأة كانت شبه غائبة عن الكثير من المجالات الإبداعية، وذلك سواء كان ذلك من حيث الكم، أو من حيث السبق، وثالثاً من حيث الندرة، أو الغياب تماماً.
في الشعر، ستبقى المرأة في العالم العربي، إما متأخرة، أو هي من الندرة بمكان لتوازي في نتاجها نتاج الرجل، صحيح أن عصر ما قبل الإسلام، الذي اصطلح على تسميته بالجاهلي، كان بذرة الإبداع العربي في الشعر، ذلك الزمن الذي كان الشاعر فيه هو الصحفي والناطق الإعلامي باسم القبيلة، في تلك الصحاري، غير أنه كان المعلن والمبدع في الممالك ببلاد الشام والرافدين، ومع كل ازدهار الشعر في ذلك الزمان، فإن التاريخ لم يوُثق لنا إلا القليل من «شواعر» ذلك الزمان، هذا الرقم الضئيل سيستمر قروناً طويلة، وحتى مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، ليأخذ الشعر النسوي مكانه الحقيقي في المشهد الإبداعي العربي، وهنا أيضاً سيكون ثمة منغصات وعوائق لنتاج النساء من الشعر، فهي ستنجح في بعض الجغرافيا في العالم العربي، و في جغرافيا عربية أخرى، سيكون ما تكتبه أقرب إلى البيانات والمناشير ، أو عومل على هذا الأساس، وحتى في المناطق العربية المتحضرة لم تسلم من تهمة الرجل «الذي خلفها».
هذا في الشعر، غير أنه في مجالات إبداعية أخرى، سيكون الغياب والتهميش على أشده، حيث سيمر وقتٌ طويل جداً قبل أن نتعرف إلى فنانات تشكيليات، وحتى في هذا المجال ستغيب عن بعض اختصاصاته كفن الكاريكاتير والنحت والديكور وغير ذلك، تماماً كما في القصة القصيرة التي غابت عن مجال القصة الساخرة على سبيل المثال، وهكذا في الصحافة، وحتى في الرواية باعتبارها كانت الساردة الأولى، وسبقت الرجل في هذا المجال، أما في الفلسفة، فلم يحدثنا التاريخ أبداً عن فيلسوفة بحجم سقراط، أو أفلاطون، أو سارتر، أو أدونيس، بل إن حتى هذا المصطلح – فيلسوفة – لم تعرفه المدونات العربية.
والسؤال أخيراً: هل حقاً أن المرأة لا تستطيع أن تنتج في مجالات إبداعية معينة؟؟ وطالما أن التاريخ بدأ بالإبداع الأمومي، فلماذا أنكفأ الإبداع بعد ذلك؟!!
إنها حكاية المرأة منذ انتصرت العقلية الذكورية على عقلية الأمومة، الذكورية، وهنا للأسف أول ما بدأت بها المرأة ذاتها، فتش إذاً عن إنانا..!