لماذا يخشى الناس زيارة الطبيب النفسي..؟
بالرغم من التطور والحداثة العلمية والتكنولوجية التي شملت فروع الواقع المعاصر لا تزال بعض الأفكار السلبية غير العلمية مترسخة في عقول البعض، ومن أبرزها وصمة العار من العلاج النفسي، وإلى الآن يعتقد الكثير أن العلاج النفسي هو مجرد حديث سطحي، وحوار هامشي يستطيع القيام به أي إنسان غير مختص، وأن العلاج النفسي هو مضيعة للمال والوقت وهتك للأسرار، وحتى عند الحالات الحرجة التي يلجأ البعض فيها للعلاج النفسي فتجدهم يتكتمون حول الزيارة، ويأخذون إجراءات احترازية متحفظة لضمان عدم معرفة أي فرد بترددهم على العيادة النفسية. د. غنى نجاتي اختصاصية الصحة النفسية تقول: من خلال تجربتي الشخصية حاولت إجراء تحليل علمي يفسر دوافع الفرد لتجنب العلاج النفسي وخوفه الشديد من زيارة العيادة، وكانت النتائج أن معظم أفراد المجتمع المحلي ينظرون إلى العلاج النفسي بأنه يخص فئة الذهانيين، أي فاقدي الأهلية العقلية (المتعارف عليها بالمجنون)، وأن الاضطرابات النفسية ستكون متناقلة بين جينات العائلة، وتالياً لن يتقدم أحد لخطبة فتاة لأن أخاها يأخذ جلسات نفسية (مثلاً) وسيكون مستقبل أطفالها حتماً هو الاعتلال النفسي، كما حدث مع خالهم، ولعل العديد لا يفرق بين المرض النفسي والاضطراب النفسي، فبالرغم من تداخل بعض الأعراض إلا أن المرض النفسي يكون ذا أعراض دائمة وعميقة الأثر، وتشمل عدة جوانب من شخصيته، وهو متشعب المصدر ومبهم الأسباب أحياناً، ويؤدي لتوقف إنتاجية الفرد، وتجميد أدواره الحياتية، وهو بحاجة لمختص بعدد محدد من الجلسات، وقد نلجأ لإيوائه في المشفى، أو استعمال بعض الأدوية أو التراكيب الكيميائية، بينما الاضطراب النفسي يشمل أعراضاً مؤقتة وعابرة، وتمس جانباً واحداً أو اثنين من جوانب شخصية الفرد، وتالياً لا تتسبب في توقف إنتاجيته في أدواره الحياتية المختلفة وقد تزول الأعراض وحدها مع مرور الوقت، وهي ليست بحاجة لأي دواء أو طبيب، فقد يكون الدعم الاجتماعي والأسري والعاطفي كافياً في تلك الحالات.
و أضافت: في رأيي فإن معظم الناس لديها التباس بين الطبيب النفسي والمعالج النفسي، فالطبيب يتعامل مع الأمراض الذهانية ويصف الأدوية والعقاقير النفسية، أما المعالج فيلجأ لاستخدام تقنيات واستراتيجيات نفسية خلال الجلسات القائمة في العيادة.
ومن خلال تجربتي كمعالجة نفسية باستخدام العلاج المعرفي السلوكي تكون المشكلة عند المتعالج أحياناً عدم قدرته على اتخاذ قرار شخصي أو عدم وضوح أهدافه الحياتية وافتقاره إلى ترتيب أولوياته، ما يؤدي لانخفاض ملحوظ في مستوى تقدير الذات، وتراكم للضغوط النفسية مع كبتها، ما يشكل تربة خصبة للاضطرابات والمشكلات السيكولوجية.
وأشارت د. غنى نجاتي إلى أن العديد من المتعالجين يزورون العيادات النفسية بأسماء مستعارة، خوفاً من تشويه سمعة عائلتهم بزيارتهم معالجاً نفسياً، ويحرص الجميع على عدم تسجيل الجلسة بأي كاميرا، ولو حتى تسجيل صوتي على الجوال، خوفاً من نشر وفضح حقيقة مشاعر المتعالج، لذلك فإن الحل المثالي لهذه الحالة هو بناء علاقة ثقة واحترام متبادلة بين المعالج والمتعالج تسهم في ايجاد بيئة سيكولوجية آمنة، تسمح له بالتعبير عن حقيقة مشاعره بصدق وشفافية.
وأضافت لا ترتبط النظرة السلبية للعلاج النفسي بالمستوى العلمي والثقافي، أو الاجتماعي والاقتصادي، فقد نجدها في العديد من الشرائح الاجتماعية المخملية كانت أم الفقيرة، وقد نجدها في عقول المهندسين والدكاترة أحياناً أيضاً، فقد سمعت أكثر من مرة بجملة (أنا لا أؤمن بوجود أو أهمية العلاج النفسي)، وكانت من بعض الجراحين أو الحقوقيين، حيث ينكرون أهمية التنفيس الانفعالي الذي يحدث أثناء الجلسة، ويعدون العلاج النفسي رفاهية فارغة أو إسرافاً مادياً، ما يؤدي لتراكم التوتر في نفوسهم وارتفاع استثارتهم الانفعالية ووقوعهم في دائرة مفرغة من الأفكار السلبية الهدامة، ما يؤثر في علاقاتهم الشخصية والأسرية والعاطفية، ويخفّض من إنتاجهم العلمي والعملي في الحياة.