أبعدتها “كورونا” عن طفلها 15 يوماً فقابلها بالجفاء
لا تزال جائحة كورونا حاضرة بيننا وتتفاوت الإصابات بها فلا تعرف صغيراً أو كبيراً، فالكل سواسية عندها، واستطاعت بجدارة أن تشتت الأسر وأن تبعدهم عن بعضهم، ولكن إبعاد الأطفال من أمهاتهن اللواتي أصبن بالفايروس كان له تأثير كبير عليهم وعلى أمهاتهم .
خمس عشرة دقيقة الوقت الذي استغرقه الطفل (يزن ) ذو الثلاث سنوات وهو يرمق والدته بنظرات العتب واللوم معاً، ليتقبل بعدها أن يحتضنها وهي التي غابت عنه خمسة عشر يوماً رغماً عنها ،(فالكورونا) عزلتها عن عائلتها، وتقول والدة الطفل السيدة ثناء: إصابتي بالكورونا أبعدتني عن عائلتي مدة أسبوعين، حيث خضعت للعزل الصحي المنزلي، وكان لابدّ من ابتعاد طفلي عني، كي لا يصاب بالعدوى، فمكث فترة علاجي عند أحد أقربائي، وكنت أتواصل معهم ومعه عن طريق مكالمات الفيديو، وكان طفلي في أكثر الأحيان لا يريد أن يحادثني، وكنت أتألم لهذا الوضع، ولكنني كنت مجبرة على بعده عني.
وتابعت : بعد انقضاء فترة العلاج ذهبت لإحضاره، ولكن لم أكن أتوقع ردة فعله “اللاإرادية ” فلم يرغب باحتضاني، وظل ينظر إلي، وبعينيه الصغيرتين وجدت اللوم والعتب والشوق معاً، وكأنه يسألني لماذا تركتني وحيداً؟ كما أن محاولات والده فشلت، ولم يستطع اقناعه أنني أحبه ولن أتركه مرة أخرى، وكانت تلك الدقائق أشبه بالساعات مرت علي قاسية مؤلمة.
حالة السيدة ثناء ليست الوحيدة بل تشبه عشرات الحالات في مجتمعنا .
وهنا تشير المستشارة الأسرية الدكتورة في التنمية البشرية سلوى شعبان إلى الضغوطات التي وقعت على كاهل الأم ضمن دوامة الإصابة بفايروس كورونا، وما أصابها من آلام وأوجاع جسدية ونفسية، والأفكار السوداوية التي تملّكت عقلها في حال إصابتها شخصياً، أو إصابة أحد أفراد أسرتها وخوفها من الموت والفقدان جعلها تعيش وسواساً قهرياً مقيتاً.
وأضافت شعبان: التعامل الأساسي للتغلب على الحالة النفسية وتصحيحها وترميم أي ثغرة فيها من جراء ذلك مطلوب من شريكها أي (الزوج ) بالدرجة الأولى، لما له من دور داعم ومحفز لتخطي ذلك، عليه أن يشغل مكانها ويتخذ دور الأم والأب ولو لم يكن يعرف الكثير.
وتؤكد شعبان أن طريقة تعامله معها واهتمامه المميز بشريكة حياته وأم أولاده يجعل الشفاء سريعاً، وتفادي الوقوع في المهالك، فالزوج كما تقول هو اللاعب الأول المؤثر إيجابياً تجاهها وتجاه الأولاد، وهي تنتظر منه كلمة لتستمد قوة نفسية خفية تعطيها جرعة أمل بالغد.
وأضافت: كما أن للمقربين والأهل، وبقية أفراد العائلة وتعاونهم الإيجابي دوراً كبيراً للإحاطة العاطفية بها وبأولادها، فاحتضان الأطفال ورعايتهم وخاصة وهم في عمر السنوات الأولى جداً حساس وضروري، ومعرفة اختيار الأسلوب الأنجع الذي يجعل حياتهم بتوازن واستقرار لتخفيف بعد الأم عنهم حتى لا يشعروا بفقدانها.
وأشارت شعبان إلى أن اللعب معهم والاهتمام بغذائهم الجسدي والروحي والاقتراب منهم، وتعليمهم بعض المهارات، كالنظافة والاعتماد على الذات، سيسعد الأم ويشعرها بالرضا عليهم، وتجعلهم يستوعبون أنها لفترة ترتاح من أعمال المنزل وستعود كما كانت .
وأضافت : أما الأطفال الأقل عمراً فهم بحاجة للتسلية واللعب والطعام ومن ثم النوم, و لذلك ترى الاختصاصية أنه يجب على الأم بعد عودتها لمزاولة حياتها الطبيعية بعد الغياب، أن تختار الطريقة لإفهام صغارها أنها لم تتركهم، وأنها تعبت ومرضت، وابتعدت حتى لا تنقل لهم العدوى، وهذا من دواعي محبتها الكبيرة لهم. وببعض الكلمات والاهتمام العاطفي والاحتضان والاحتواء، وتحضير الطعام المحبب لهم، واللعب والحكايا سينسى الطفل وتستطيع كسر هذا الحاجز العاطفي لتعود الحياة كما كانت.