صعوبات التعلم .. محنة تعلميّة بحاجة للمساعدة
«صعوبات التعلم» مصطلح يشير إلى فئة مميزة من الفئات التي تضمها وتتضمنها التربية الخاصة، والتي تبدو للعديد من الأفراد أنها إعاقة غير ملموسة قياساً بغيرها من الإعاقات الأخرى كالشلل الدماغي مثلاً، ومن هنا أطلق عليها اسم الإعاقة الخفية أو المحنة التعلمية.
حسب د. انتصار مقلد – كلية التربية – قسم التربية الخاصة اختصاص «صعوبات تعلم» فإن مفهوم صعوبات التعلم يشمل مجموعة كبيرة من الأطفال الذين لا يدخلون ضمن فئات المعوقين, ولكنهم بلا ريب بحاجة إلى المساعدة لاكتساب المهارات المدرسية, وتصنف إلى مجموعتين :
المجموعة الأولى صعوبات التعلم النمائية: وهي العمليات أو الوظائف العقلية الأساسية التي تشمل الانتباه والذاكرة والوظائف الإدراكية – الحركية, والتي تعمل بشكل متداخل مع بعضها البعض، فإذا أصيبت واحدة أو أكثر من هذه الوظائف باضطرابات فإنها تؤثر في عمليات التفكير واللغة الشفهية أو المحكية، هذه العمليات أو المهارات التي تظهر لدى الطفل في المراحل الأولى من حياته، والتي يحتاجها فيما بعد بهدف التحصيل في الموضوعات الدراسية الأكاديمية، فحتى يتعلم كتابة اسمه لابد أن يطور كثيراً من المهارات الضرورية في الإدراك والتناسق الحركي وحركة العين واليد، والتسلسل، والانتباه والذاكرة وغيرها، ولكي يتعلم الكتابة أيضاً فلابد أن يطور تمييزاً بصرياً وسمعياً مناسباً، وذاكرة سمعية وبصرية، ولغة مناسبة وغيرها من العمليات، ولكن حين تضطرب هذه الوظائف بدرجة كبيرة وواضحة، ويعجز الطفل عن تعويضها من خلال وظائف أخرى، عندئذ تكون لدية صعوبة في تعلم الكتابة أو التهجئة أو إجراء العمليات الحسابية، والمجموعة الثانية: صعوبات التعلم الأكاديمية التي تشمل الصعوبات الخاصة بالقراءة والكتابة والتهجئة والتعبير الكتابي والخط والحساب.
من هنا نجد أنّ صعوبات التعلم تتعلق بشكل أساسي بالوظائف العقلية الأساسية, وتالياً ناتجة عن افتراض وجود اختلال في الأداء الوظيفي العصبي الدماغي لدى الطفل، وهذه الصعوبات تولد معه أو تحدث في السنوات الأولى، ولذلك حتى يستطيع الوصول إلى المرحلة المدرسية بأمان لابدّ أن تمر المراحل النمائية الأولى من حياته بشكل سليم ومعافى، أو بأقل الفروق بين عمره وظهور الوظائف العقلية لدية من الناحية اللغوية والحركية.
وعن دور الأهل في الكشف عن صعوبات التعلم عند طفلهم قالت د. مقلد: يقع على عاتق الأهل المسؤولية الأولى، والأهم في اتخاذ إجراءات الوقاية ثم الكشف عن صعوبات التعلم في حال حدوثها، ويتحمل كلا الوالدين هذه المسؤولية، ولكن يبقى للأم الجانب الأكبر منها، وذلك منذ المرحلة العمرية التي تسبق عملية الحمل سواء في حماية جنينها قبل الولادة من الأسباب التي قد تلعب دوراً مهماً في حدوث أي نوع من الإعاقة قدر الإمكان، أو حمايته بعد الولادة, وذلك من خلال اتخاذ الإجراءات التي تضمن الظروف الصحية المناسبة لتطور الجنين بشكل طبيعي وسليم، كالابتعاد عن التدخين أو تعاطي الكحول أو الأدوية من دون استشارة طبية، ومراجعة طبيب النسائية المختص بشكل دوري والحرص على أخذ الأدوية المساعدة والداعمة لسلامة الحمل، مع ترك أمور الولادة تتم بشكلها الطبيعي من دون اللجوء إلى العمليات القيصرية إذا كان وضع الأم والجنين لا يستوجب ذلك، والحرص على تغذية الأم بشكل جيد أثناء الحمل والإرضاع الطبيعي للطفل والاهتمام بتغذيته السليمة ومراقبة أموره الصحية بشكل منتظم وشامل.
المعرفة أو الدراية بمراحل النمو المختلفة التي يمر بها الطفل، والتغيرات التي تترافق مع هذه المراحل سواء من الناحية البنيوية الجسدية، أو من الناحية اللغوية أو الحركية أو العقلية، وذلك اعتماداً إما على الإطلاع والتثقيف الشخصي أو على استشارة طبيب الأطفال المختص، أو من خلال مقارنة مراحل نموه مع أقرانه الذين هم من العمر والجنس نفسه، وبعد ذلك اتخاذ إجراءات التدخل المختصة وبشكل مبكر عند ملاحظة أي تأخير على أي جانب من جوانب النمو عند الطفل، والابتعاد عن عزو الأسباب إلى أمور قد تكون غير دقيقة أو علمية لتبرير القصور، وعرض الطفل على المختص الذي يعمل على تشخيص القصور وعلاجه للتخفيف من آثاره المستقبلية.
التعاون التام بين الوالدين والمختص لما له من تأثير إيجابي على زيادة فرص النجاح في حياة الطفل, كما أن تدريب الآباء يغير من اتجاهاتهم نحو طفلهم, وهذا يساعد في تغيير سلوكه بصورة إيجابية, فاستخدام الآباء والمختصين للأساليب التعليمية والإرشادية نفسها يزيد من اهتمام الطفل وقدرته على تعميم المعرفة والمهارات التي تعلمها في البيت أو في المدرسة وتطبيقها في بيئات أخرى.
ومن هنا فإن وصول التلميذ ذي صعوبات التعلم إلى الامتحان بأمان يتوقف على عدة عوامل أهمها:
1- المرحلة العمرية التي تم كشف الصعوبات فيها والتدخل في علاجها، فكلما كان الكشف في عمر مبكر انعكس إيجاباً على مستوى تحصيل التلميذ ووضعه النفسي والاجتماعي, ومفهوم الذات لديه أكثر إيجابية وثقة بالنفس.
2- التدخل النوعي المختص الذي يحصل عليه التلميذ سواء في عملية التشخيص أو العلاج، فكلما كان هذا التدخل أكثر دقة وشمولية لصعوبات التعلم لديه ، ساعد ذلك في استثمار نقاط القوة لمعالجة نقاط الضعف والوصول إلى أقرب مستوى من السواء لدى التلميذ في مجال الصعوبة التي يعانيها.