عاربة ومستعربة

يقسم الإخباريون العرب القدماء أبناء جلدتهم العرب إلى ثلاثة أقسام كبرى؛ «العرب البائدة، والعاربة، والمستعربة»، والعرب البائدة حسب الدلالة اللغوية الواضحة، تعني تلك القبائل العربية القديمة التي ورد ذكرها في الأخبار الشفهية المتواترة، والسرديات ذات الطابع الأسطوري، والقرآن الكريم، كـ«عاد وثمود، وجرهم، وطسم, وجديس»، لكنها بادت وانقرضت، ولم يبقَ منها سوى أخبارها, والعاربة هي القبائل ذات الأصول الجنوبية اليمانية التي ينتهي نسبها، حسب الإخباريين أيضاً، إلى يعرب بن قحطان، الذي ترى بعض الدراسات أنّ لفظة «العرب» مشتقة من اسم ذلك الجد القديم، ويطلق على هؤلاء تسمية العرب الأقحاح، وهم ذوو أصول يمانية جنوبية، هاجروا بفعل عوامل شتى إلى بقاع شتى، يقع بعضها إلى أقاصي شمال الجزيرة العربية كالغساسنة الذين أقاموا دولتهم في الشام، أما المستعربة فهي القبائل البدوية التي ينتهي نسبها إلى «عدنان», ويُسمّون أيضاً عرب الشمال، حتى لو كانت إقامتهم إلى الجنوب من بعض القبائل اليمانية, وهناك خلاف ناشئ حول سبب تسميتهم بالمستعربة، إذ يرى بعض المهتمّين في الزمن القديم أنهم ليسوا من العرب، لكنهم استعربوا فصاروا عرباً، ولصقت بهم هذه التسمية بسبب مجاورتهم للعرب، فاكتسبوا الصفة العربية بفعل الجوار, وهناك من يرى خلاف ذلك، بمعنى أنّهم، بوصفهم قبائل مرتحلة متبدّية، كانوا ينشرون العروبة أينما حلّوا.
ربما كان غنيّاً عن البيان، أنّ كثيراً من الخلافات البينية العميقة بين العرب والعرب، كانت ناجمة عن الاختلافات القبلية حتى ضمن الفرع الكبير ذاته «القحطاني أو العدناني», والأهمّ أن كثيراً من التحالفات القبلية الكبرى كانت تخضع إلى ذلك الانقسام العمودي المشار إليه, ومن المناسب في هذا السياق الثقافي أن نستذكر أمرين أساسيين؛ يتعلّق أحدهما بأن الخلافات المذهبية كان معظمها قائماً على أساس قبلي صريح, مع الانتباه إلى أنّ ظهور الإسلام، وقيام دولته في مرحلتي الرسول والراشدين، بدا أنه قد دفن الخلافات البينية والانتماءات ذات الأصول القبلية إلى الأبد، ويتعلّق الثاني بالنمط الاقتصادي للعيش، فقد كان عرب الجنوب عرب استقرار، مارسوا الزراعة، ومختلف الحرف اليدوية ذات المنحى الصناعي, بينما كان عرب الشمال يمارسون الرعي، والترحال الدائم بحثاً عن مواطن الكلأ والماء، وكان الغزو أهم ملامح نشاطهم الاقتصادي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار