عندما ينطق الشعر بالولاء معلناً أن «الشامُ شمسُ الشرق..»
إنه الاستحقاق.. إنه اليوم المنتظر ليجني كل سوري ثمار تضحياته وصموده ودفاعه عن وجوده الفاعل في بناء وطنه وإعادة إعماره.. إنه اليوم ليقول كل سوري كلمة الحق في التعبير عن تقرير مصيره وسيادته وشرعيته ويسلم الأمانة إلى من يستحق حملها وصونها والدفاع عنها.. إنه اليوم الذي يؤكد فيه كل سوري للعالم أجمع أن إجراء هذا الاستحقاق الرئاسي في موعده هو أكبر تعبير عن سيادة سورية وعزتها وكرامتها.. من هنا انبرى الشعراء للتعبير عن هذا الحدث التاريخي الفيصل لسورية التي أحبّوها ووهبوها أقلامهم وأفكارهم وإبداعاتهم ومنهم الأديب والمؤرخ والمحامي الشاعر عبدالله خبازة.. وهو في هذا الحدث يدعو السوريين جميعهم وبكل ما يحملون من قيم ومبادئ ومن منبر «تشرين» إلى إعمال فكرهم وإدراكهم ووعيهم العميق الحريص على مستقبل الوطن للمشاركة الواسعة والفعالة في هذا الاستحقاق فيقول:
أيّها السّوريّ
لا تلغِ بصيرتَكَ فهذا البَحْر
فاغرِفْ ما تشاءُ منَ المياهِ
ولا تُتاجر بالزَبَدْ!
الماءُ يمنحُكَ الحياةَ
وماذا يمنحُكَ الزَبَدْ؟…
الفرقُ شاسعْ يا بنَ أمّي
بين دِردابِ الطبولِ
وبينَ أنسامِ الحقولِ
وبينَ موسيقا الجَلَدْ..
الفرقُ شاسعْ يا بنَ أمّي
بينَ تغريدِ الطيورِ
وبين أنّاتِ القبورِ
وبين آهاتِ الكمَدْ…
فاصنع بفكركَ
ما يُحيلُ المُزنَ عطراً وأريجاً ورَغدْ
الحبُّ وجْهٌ مشْرِقٌ لذواتِنا
يُعطي الضّياءَ إذا اتّقدْ..
أيّها السّوريّ
لا تلغِ بصيرتكَ فهذا البَحْرْ
فاغرِفْ ما تشاءُ منَ المياهِ
ولا تُتاجر بالزَبَدْ….
ويتابع شاعرنا فيقول: إن المشاركة في الاستحقاق الرئاسي هي أكبر رد على حملات التشويه الخارجية والمؤامرة الكونية التي حيكت، وإن هذه المشاركة واجب وحق وطني تعني قوة الانتماء لهذه الأرض والتجذّر فيها، أرض احتضنت الشهداء الذين بذلوا دماءهم لحمايتها والذود عن حماها وهي تتويج لانتصارات أبطال الجيش العربي السوري وصمود الشعب:
أَوّاهْ.. ما أقدسَ نَزف الشهداءْ
أَوّاهْ.. ما أنبلَ موت الشهداءْ
أَوّاهْ.. ما أخلدَ فِعل الشهداء
بكل روحٍ هَيللةْ
وبكُلّ سَمْعٍ بسملةْ..
يا سيدَ الأمةْ
يا صاحبَ الهِمّةْ
المشرقُ العربيُّ يمشي على الرّمّةْ
والمغربُ العربيُّ تجتاحُه الحمّةْ
والشامُ شمسُ الشرق
أنوارُها عِمّةْ
تغزلُ نورَ البرق
أردان للأمّة ..
ويتابع خبازة حديثه عن بلاده سورية موطن الحضارات والشرائع وعن شعبه الذي تربى فيها على التآلف والتآخي والتكاتف والحوار البنّاء ناهلاً من مشارب المحبة إيمانه بقوة ارتباطه بهذه الأرض ليكون هذا الاستحقاق الدستوري تعبيراً واضحاً عن معاني الرقي والحضارة وممارسة حرية الرأي:
لا تَناقُضَ في بلادي
ولا تَصادُمَ بين أنواعِ الحضارةِ
بل: حوارْ
لا تَناقُضَ في بلادي
ولا تَصادُمَ بين أنواعِ الشرائعِ
بل: حوارْ
نسعى لتعميق الحوارِ
نسعى لتعميم الحوارِ
لن نُبعِدَ الجمهورَ
عن هذا الحوارْ
فلنرسم التاريخَ
بعضُنا بينَ بعضٍ
بالمحبةِ والتآلفِ والمودةِ والحوارْ
لا تَناقُضَ في بلادي
ولا تَصادُمَ بين أنواعِ الحضارةِ
بل: حوارْ..
ويؤكد شاعرنا أن المشاركة في الانتخابات إثبات للعالم بأسره أنّ سورية تعالت على جراحها وأوجاعها وتجاوزتها بهمّة رجالها لأنها كانت ولا تزال صاحبة نهج دستوري تسوده الديمقراطية والعمل على تعزيز ثقافة المواطنة والوطنية وأن كل مواطن فيها قادر على اختيار المرشح الرئاسي الضامن الحقيقي لوحدة سورية والأمين على النهج المقاوم وصمام الأمان لمستقبلها وغَدِها المشرق، ويدرك أن صوته سيكون لمن يدافع عن الأرض ويحمي سيادة الوطن لأنه صاحب الحق في القول وتحديد المصير ورسم آفاق المستقبل:
أضحَتْ محابرُنا جراحْ
وكلُّ جُرحٍ مِحْبرَةْ
تَكتبُ أسفارَ النزيفْ..
والسنابلُ والعصافيرُ
وأزهارُ الغصونِ المثمرةْ
رحلتْ إلى شطّ الخريفْ..
وجعٌ كأوجاع المَسيحِ
على صليبِ الجُلجلةْ
و«قيافا» عُهرهُ
عُهْرُ الصّفيحِ
على شفارِ المِقصلةْ..
يذكر أن عبدالله خبازة شاعر بالفصحى واللغة الحية الوسط بين الفصيح والمحكي التي تحدث عنها جبران خليل جبران في نيويورك عام 1922 حينما كان رئيساً للرابطة القلمية ومن ثمّ تحققت على يد شاعرنا بملاحم منها: ملحمة «نبي جبران بين أور وأورفليس» وملحمة «الأجنحة المتكسرة» وملحمة «من التكوين إلى الدينونة» وملحمة «بيدبا ودبشليم» وملاحم بالفصحى منها: ملحمة «وادي الذئاب» وملحمة «أناشيد أمة» وملحمة «وطن في ملحمة»، وهو يتفرد بأنه يلقي ملاحمه لآلاف الأبيات الشعرية من دون الاستعانة بالمكتوب ولعدة ساعات متواصلة، إضافة إلى أنه مؤرخ يتصف بجرأته الأدبية الموزونة والبحث عن الحقيقة والحكمة من منطلق أخلاقي إنساني.