تسعى الولايات المتحدة، منذ عام 1945 للدفاع عن مصالحها العالمية وفق ما بات يعرف بـ”النظام الدولي الجديد”، وفي السنوات الأخيرة، وقبل أن يصبح جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة بدأت القوى الصاعدة في تحدي عوامل هذا النظام وخاصة مع استمرار الإدارة الأمريكية الحالية بإطلاق إشارات متكررة إلى ما سمته بـ”النظام القائم على القواعد” في العلاقات الدولية، متهمة روسيا والصين بتقويض هذا النظام المفترض.
يبدو خطاب بايدن جريئاً نوعاً ما، فهو أشبه بالصياد الذي يعين نفسه حارساً للعبة، إذ لا توجد قوة شريرة ومتهورة مثل الولايات المتحدة وأتباعها الغربيين عندما يتعلق الأمر بنزع القانون الدولي، ولعل سلسلة الحروب غير الشرعية التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها على بعض الدول وفرض العقوبات الاقتصادية غير الإنسانية والشرعية على بعض الدول دليل واضح على ذلك.
ومع ذلك يرى العديد من المحللين السياسيين أن ما تقوم به الإدارة الأمريكية الحالية ما هو إلا عملية تجميل وقحة للوجه لنفس السلوك القديم القبيح، حيث يهدف بايدن من خلال خطاباته التي كثرت في الآونة الأخيرة إلى التمييز بين إدارته وإدارة سلفه ترامب الذي رفع شعار “أمريكا أولاً”، وإلى إقناع العالم بعدم جدوى النزعة الترامبية، ولذا نسمع الكثير عن تعهد الولايات المتحدة بدعم “النظام القائم على القواعد”.
يبدو أن الفرق يكمن في شكل الخطاب السياسي للإدارات الأمريكية، أما الحقيقة الثابتة فهي أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يسعون لاتباع نهج أحادي الجانب في العلاقات الدولية، ولعل المتتبع لخطوات الإدارات الأمريكية سواء السابقة أو الحالية يدرك أن إدارة بايدن أكثر دهاء عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية وفي التضليل الإعلامي لتغطية حقيقة طموحات الهيمنة الأمريكية.
لقد ألقى سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، الضوء، على سياسة الولايات المتحدة، وقال في تصريحات علنية عقب اجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في موسكو: “ترى روسيا أن محاولات بعض الدول الغربية للترويج لنهج أحادية الجانب في الالتفاف على الآليات الجماعية القائمة لتطوير حلول قائمة على القانون الدولي هي أحد التحديات الرئيسية اليوم، نحن ننظر في وضع قواعد معينة، ولا بد من النظر في تلك القواعد الجديدة التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول الأخرى والتي غالباً ما تتجاوز المجتمع الدولي، واعتبارها قواعد عالمية غير مقبولة وممارسة خطيرة”.
وأضاف:”نحن نشهد تحالفات وشراكات يتم إنشاؤها خارج الأمم المتحدة، تعطي لنفسها الحق في التصرف بشؤون الدول”.
كانت هذه إشارة مستترة إلى محاولة الولايات المتحدة استخدام مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي وما إلى ذلك، كأدوات جيوسياسية معادية بهدف عرقلة روسيا والصين.
إن ما يحدث بوتيرة متسارعة، في ظل إدارة بايدن، يضر بشدة بالقانون الدولي ويهدد الأمن العالمي، وما يسمى بـ “النظام القائم على القواعد” هو في الواقع مجرد مجموعة من القواعد تحددها الولايات المتحدة وحلفاؤها، تجعل الآخرين يتوافقون مع النظام الذي يرغبون فيه، وهو تعدٍ واضح على ميثاق الأمم المتحدة ومجموعة القانون الدولي.
وأكد الموقع أن “النظام الجديد القائم على القواعد” هو إنكار كامل لنظام ما بعد الحرب الثانية، إنه وكما يرى محللون عملية للغوص في الفوضى والمواجهة، ما قد يفجر حروباً لا نهاية لها.
إن كلاً من روسيا والصين ودول أخرى تدرك جيداً الخداع الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون والغربيون الآخرون، وفي خطاب أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مؤخراً، أوضح لافروف مفهوم إفلاس القوى الغربية قائلاً: “إدراكًا لاستحالة فرض الغرب و الولايات المتحدة أولوياتهم من جانب واحد على دول أخرى في إطار الأمم المتحدة، حاولت الدول الغربية الرائدة عكس عملية تشكيل عالم متعدد المراكز وإبطاء مسار التاريخ”.
وتحقيقاً لهذه الغاية، تم تقديم مفهوم “النظام القائم على القواعد” كبديل للقانون الدولي، وتجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي هو مجموعة من القواعد، ولكن القواعد المتفق عليها في منصات عالمية وتعكس الإجماع أو الاتفاق الواسع.
إن هدف الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة يتمثل في معارضة الجهود الجماعية لجميع أعضاء المجتمع الدولي بفرض قواعد أخرى تم تطويرها في صيغ مغلقة وغير شاملة، من أجل فرضها على الدول، ولعل إجراءات كهذه تتجاوز الأمم المتحدة تؤدي إلى اغتصاب عملية صنع القرار.
وتكمن المفارقة في أن القوى الغربية التي تدعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان تتهم روسيا والصين بتقويض “النظام الدولي” في حين أن هذه القوى هي التي تستخدم فأساً في النظام العالمي الحقيقي الوحيد القائم على التعددية.
وأكد الموقع أن الاستخدام الأحادي للقوة العسكرية وفرض العقوبات الاقتصادية ضد الدول الأخرى يعد انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
وإذا كانت واشنطن وآخرون يؤمنون حقاً بالتمسك بالقواعد والنظام فعليهم الالتزام بقواعد القانون الدولي الوحيدة المعترف بها عالمياً والموجودة بالفعل على النحو المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، لأن روسيا والصين قويتان بما يكفي للإصرار على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
الولايات المتحدة والغرب يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء إلى قانون شبيه بثلاثينيات القرن الماضي، ولذا يعتمد مستقبل السلام والأمن العالميين على نجاح روسيا والصين والغالبية العظمى من الدول في دعم الأمم المتحدة ضد الجهود الغربية الخبيثة.. فهل بات واضحاً مدى تناقض الدعاية الإعلامية الغربية المتغطرسة؟
عن: موقع إنفورميشن كليرينغ هاووس