لمسات الفنان سالم عكاوي.. تجريدات بصيغ لونية في المركز الوطني للفنون البصرية
ذائقة بصرية وحساسية عالية في التعامل مع اللون والخط العربي، وإبراز جمالية هذا الفن العريق تجربة جديدة دخل عوالمها الفنان التشكيلي سالم العكاوي عبر معرضه الذي افتتحه في المركز الوطني للفنون البصرية، قدم عبره أكثر من «42» لوحة فنية حملت لمسات من التجريد خاضها عبر حروفه من خلال صيغ لونية متعددة مليئة بالألوان المتناقضة والصريحة، والتي تميزت بجرأتها وأعطت نتيجة جمالية عبر أبعاد اللوحة.
البحث عن الذات
ورأى الفنان غياث الأخرس مدير المركز الوطني للفنون البصرية إن البحث والتجريب المستمر هما نواة الفنان، وأضاف: ما يميز الفنان سالم في تجريده بالمقارنة مع فناني جيله أنه يحتفظ بفضاء يحمي مفرداته التشكيلية ويجعلها تسبح فيه، وهذا ما يعطي العمل الفني هدوءاً وراحة أكثر، ففي تلك الأعمال المتنوعة دليل واضح على البحث عن الذات والتجريب المستمر غير الثابت، وبين التأليفات المتحركة ضمن طبقات زمنية متراكمة من جهة وأسطح صامتة ومتقشفة من جهة ثانية، ومعبّرة عن حس شفاف بين الخط الذي أثره واضح في أعماله والتشكيل به فهذه التنقلات هي انعكاس التجريب والاكتشاف لديه.
تطويع الحرف عبر التشكيل
بدوره أكد الفنان سالم عكاوي أن أعماله فيها شيء يشابه الخط العربي ولكن ليس نقيضه، وأضاف: أنا أجيد الخط العربي بقواعده وأصوله وقياساته المعروفة، وأحسست أنّ الحرف يجب أن ننطلق فيه عن هذا الثبات الذي لم يتغير عبر السنين، حيث مازال الخطاطون يكتبون شكلاً واحداً للحرف ولم يتغيّر عبر الزمن، وله جماليته وإحساسه ورسالته التي يؤديها، وهي رسالة اللغة العربية، وأكمل: حاولت الاستفادة من الحرف بشكله المجرد كي أصنع منه لوحة تشكيلية، وحاولت أن أليّنه وأطوعه إلى حدٍّ ما، حتى يصل بطريقة مختلفة عما اعتاد عليه المتلقي بشكله المعهود، وأشار عكاوي بأنه ينتمي إلى هوية المكان الذي ولد فيه وتأثر بطبيعته وجماله وبكل تفاصيله، فهو الملهم الذي أوصله إلى هذه الصياغات التشكيلية في العمل الفني إن كان عبر الألوان أو الخطوط، ولفت عكاوي بأنه حاول إيصال هذه الهوية إلى المتلقي عبر العمل التشكيلي ومن خلال التضاد اللوني في اللوحات الذي شكله لخلق حركة معينة عبر فضاء اللوحة، وهذه الحركة ربما تدور فيها العمق والقرب، وحاول ألا يصنع خللاً ضمن هذا التضاد.
لمسة تجريدية
أراء متعددة عبّر عنها بعض زوار المعرض رصدتها «تشرين» فقد وجد الفنان التشكيلي أنور الرحبي أن تجربة سالم من التجارب الشبابية التي تأخذ منحى الحروف، وهذا التجريد يحتاج إلى عين تؤكد على بعض القيم الموجودة داخل قيمة الحرف في حد ذاتها لذا زرع نباتات حروفية بهذه المساحات الملونة، واستطاع مزج هذه القيم اللونية المختلفة، وقد تجلّت قدرته على شغل الفراغ في المكعبات الموجودة في العمل الفني، وأضاف: إن الحكاية البصرية تحتاج فهماً ووعياً ثقافياً للأشياء، خاصة أن الموضوع حروفي، ولكنه يحمل لمسة تجريد مقروءة ومدروسة بمعنييها الجمالي والموضوعي، وميّزة سالم هي قدرته على التواصل مع علبة الألوان بشكلٍ كبير كما أنه يتمتع بقدرته على ملامسة الأشياء وروحها والتي قوامها الإنسان.
انسيابية الحرف
من جهته أكد الفنان التشكيلي بشير بشير أن الحس التجريدي هو الغالب والممتد على سطح لوحة عكاوي، فقد عمد إلى إقحام الحرف غير المقروء بطريقة انسيابية، واستطاع خلق تشكيل بين اللون واللوحة، فاللوحة لديه عبارة عن قوامين اللون والحرف اللذين يشكلان تكويناً للعمل الفني، فهناك طرح جديد بالفكرة والتكوين وبالأبعاد الأول والثاني والثالث، إضافة إلى أن طبقات الهواء متوازنة في معظم لوحاته وهو ما خلق تفرداً، فقد استطاع الخروج عن القواعد الكلاسيكية المتعارف عليها وهذا سر نجاحه.
الحرف ضمن إطار اللوحة
بدوره قال النحات وسام قطرميز أن تفرد المعرض أتى من القيم اللونية المستخدمة وأسلوب توزيعها ضمن إطار اللوحة, والتي تعدى توزيعها كي يدخل إلى عوالم المكعبات والتشكيل والصيغ اللونية المتعددة والمتراكبة، وأضاف: صحيح أنها ألوان متناقضة, ولكن إيجاد هذه الصيغة الفنية الواثقة عبر الألوان الصريحة والواضحة مع بعضها يّنم عن جرأة، كما أعطت نتيجة جمالية تماهت مع توظيف الحرف ضمن إطار اللوحة، وأشار: إلى أنه ليس سهلاً هذا الاشتغال البصري، وعبّر عن ذلك بأسلوب حداثي وتوزيع متمكن جعل اللوحة قيمة مضافة بتناغمه مع الحرف العربي الموجود في إطار اللوحة، كما استفاد من ذاكرته في الخط العربي التي اختزلت الفنان ابن مدينة الرقة بتاريخه العريق، فالإنسان يتأثر ببيئته وبتراثه والتوظيف الجزئي أو الكلي للتراث ضمن العمل الفني يخلق قيمة لمسيرة الفنان ولمعرضه.
تهشير الحرف
كما لفت الفنان التشكيلي محي الدين الحمصي إلى أن الفنان سالم اعتمد على تجريد اللون وقال: لا أرى خطاً باللوحة، بل هو تكوين لوني، فقد اشتغل عبر لوحاته على الفضاء اللوني والحس الحركي باللون وليس بالخط، ومقومات اللوحة المتكاملة؛ هي الظل والمنظور والتكوين والخط، فقد استعاض عنهم جميعاً بالتكوين اللوني، وفي بعض اللوحات هناك شيء له علاقة بالطباعة الحريرية برمزية الحرف، ولكنه لم يشتغل حرفاً بشكله المعروف، بل قام بتهشيره من خلال الكتلة ليخلق «هارموني» باللوحة من خلال اللون وهي رؤية متقدمة انتقل فيها من مكان إلى مكان، وابتعد عن الخط وباتت اللوحة عنده حداثوية نوعاً ما، واستطاع توظيف الألوان الحارة مع الألوان الباردة بشكلٍ لافت.
تصوير: طارق الحسنية