فقدان الوظيفة لأحد الأبوين ضريبة يدفعها الأبناء
تعدّ البطالة من أكثر المشكلات الاجتماعية – الاقتصادية تأثيراً في الفرد والمجتمع على حد سواء، ولاتنعكس فقط على انخفاض الدخل ، بل تتعداه إلى المستوى النفسي والسلوكي والصحي، وتؤدي بطالة أحد الوالدين في الأسرة إلى عدة مخاطر تهدد كيان الأسرة واستقرارها.
د. سمر علي علم اجتماع – جامعة دمشق تشرح مدى تأثر الأبناء لفقد أحد الوالدين العمل فتقول: مع موج « كوفيد 19» برزت العديد من القضايا والمشكلات الأسرية التي انعكست سلباً على التوازن والاستقرار الأسري، ومن أهمها مشكلة البطالة الناتجة عن فقدان أحد الوالدين لعمله، ولاسيما العاملين في القطاع الخاص، على اعتبار أن أغلبية مؤسسات القطاع العام أو الحكومي لم تقم بالاستغناء عن خدمات العاملين، بل حافظت على تقاضيهم أجورهم حتى خلال فترة الحجر الصحي .
وبحسب د. سمر علي فإن الدراسات كشفت أن الأبناء في الأسر التي اضطرتها أزمة كورونا إلى توقف العمل واجهوا مخاطر عديدة، انعكست بشكل واضح على حالتهم الصحية والنفسية، لأن الأبناء عادة هم الحلقة الأضعف في المعادلة، ويفضل بعض الأهالي عدم مصارحة الأبناء بالواقع المالي، والصعوبات المادية التي تواجه الأسرة، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضة للتوتر والخوف والقلق وعدم الاستقرار.
كما أن هؤلاء الأبناء سجلوا درجات أقل من أقرانهم، وترتفع احتمالات رسوبهم أو تركهم للمدرسة لاحقاً تبعاً لاستمرار فترة البطالة، وتوضح د. علي أنه يمكن الحد من الأثر السلبي لبطالة أحد الوالدين على الأبناء من خلال شرح الضائقة المالية للأسرة وسببها، وكيفية التأقلم مع الصعوبات تبعاً لعمر الابن.
فالأبناء في عمر المدرسة يمكن أن يتفهموا الموضوع بشيء من السهولة، ولكن يزداد الأمر صعوبة في الأعمار الأكبر ولاسيما فترة المراهقة حيث يتطلب ذلك جهداَ أكبر من الوالدين لتوعية الأبناء بكيفية التعامل مع الصعوبات المادية، من ناحية أخرى قد لا يرتبط فقدان الأب لعمله مع فشل الأبناء رغم تأثيره المؤكد على نفسياتهم، ويمكن أن تكون النتائج عكسية من خلال كون الأمر محفزاً لهم على تحمل المسؤولية، ويشجعهم على الاهتمام أكثر بالدراسة في سبيل المساعدة بتحسين دخل الأسرة مستقبلاً، وكم من الأفراد نجحوا رغم انخفاض المستوى المادي لأسرهم، فهذا الأمر يرتكز بالأساس على شخصية الآباء وطرق تفكيرهم، فإذا كان الوالدان على وعي كافٍ بطرق التربية، فمن الممكن لظرف صعب كفترة الكورونا – رغم ما تتسم به من الخطورة والصعوبة على جميع أفراد الأسرة – أن تكون دافعاً للأبناء للمشاركة في تحمل أعباء الأسرة، من خلال مضاعفة جهودهم الدراسية والعمل خلال الإجازة.
أما إذا كان الوالدان على عدم وعي بتأثير انخفاض الدخل على الأبناء فقد يدفع ذلك بهم إلى الانحراف والسلوكيات الخاطئة، كالعنف والضغط النفسي الزائد، وربما السرقة والكذب ما يؤثر في مستواهم الدراسي وفي تعاملهم وعلاقاتهم مع الآخرين .
إن أسلوب تعامل الأهل مع الأبناء خلال الأزمات هو المؤشر لنجاحهم أو فشلهم في تجاوز تأثيراتها السلبية، فإذا كان التعامل إيجاباً كانت النتيجة إيجابية والعكس صحيح.
ويؤكد علماء الاجتماع بحسب د. علي أن فقدان العمل والدخل لا يعني فقط خلل الميزان الاقتصادي للأسرة، إنما له آثار مدمرة على الصحة البدنية والعقلية للآباء وعلاقاتهم الأسرية، فتزيد الخلافات الزوجية والتوتر وخطر الطلاق والتفكك الأسري، والمزيد من الأبوة غير الفعالة، والتي تنعكس قسوة وعنفاً، واكتئاباً وقلقاً، وضغطاً نفسياً، وكنتيجة لذلك يدفع الأبناء ثمناً باهظاً للصعوبات المادية التي تمر بها الأسرة، كما تزداد الصراعات بين المراهقين وأولياء أمورهم، ويميلون للتخلص من رقابة الأهل، ويكون سلوكهم محفوفاً بالمخاطر وتزداد نسبة إساءة معاملة الأبناء خلال الأزمات المادية، ويؤثر ذلك أيضاً على رفاههم العاطفي والاجتماعي، لأنهم لا يملكون مهارات التأقلم والتعامل، ولا القدرة على التعبير عن صراعاتهم الداخلية ، ويواجه الآباء صعوبة لإخفاء الضغط الهائل من جراء فقدان العمل وارتفاع الأسعار الجنوني، وصعوبة دفع الإيجار وتسديد الأقساط المترتبة عليهم سواء للمدارس وحتى شراء حاجيات الأسرة .
ومن ناحية أخرى يجد الآباء صعوبة في الانتقال من القلق والتوتر إلى التخطيط والتأقلم وحل المشكلات.. إن الاستسلام للعواطف السلبية والقلق المصاحب للبطالة هو خطأ كبير وينعكس سلباً على جميع أفراد الأسرة وحالتهم النفسية والمزاجية.
وعلى الرغم من أنه يفضل إبقاء الأبناء بعيداً عن الأخبار السيئة والمحبطة لتجنبهم مشاعر القلق والتوتر والخوف، لكن الأبناء لا ينقصهم الذكاء، يدركون ما يجري حولهم، ويمكن أن يزيد من إنزعاجهم إذا فقدوا الثقة بأهاليهم الذين يخفون عنهم الكثير من القضايا الحساسة.