على قارعة الطريق

هكذا قالها أحدهم في زمنٍ عتيق ومضى: (الأفكارُ على قارعة الطريق)، ومن ثمّ كان على المئات، إن لم يكن الآلاف أن تُردد تلك (المقولة) التي أمست وكأنها الحقيقة المطلقة، والتي لن يأتيها الباطل لا من خلف ولا من قدام، لدرجة توحي، أو تشعر الكثرين؛ إن كل ما عليهم هي حمل سلة، ومن ثمّ تجميع الأفكار من على قارعة الطريق، تماماً كمن يلتقط الثمار الناضجة من الأشجار.. غير أن المسألة أبعد بكثير من أن تكون بهذه (البدهية) أو كما يتراءى للكثيرين أنها بدهية، بل مسلمة..
الحقيقة أن الأفكار غير موجودة إلا في طرقات الفكر الإنساني، وفي أدمغة هائلة استصلح لها حقولاً وسفوح، ووظفت لها (بنات) تحرسها، وليس من السهولة لأي كان التقاطها، والحقيقة الأخرى، ليس بالصياغة وحدها يأتي النص، أي كان شكل هذا النص، سواء نصاً بصرياً، أم نصاً سردياً، بمعنى أن الفكرة نفسها، هي من تخترع نصها، نصها الذي يأتي حيناً على شكل رواية، وطوراً على شكل قصة، وتارةً على شكل قصيدة، أو قد يأتي بصرياً كفيلمٍ سينمائي، أو لوحة تشكيلية، أو مسلسل تلفزيوني، أو مسرحية وغيرها من مختلف أنواع الإبداع، بل قد تأتي الأفكار تجسيداً على شكل اختراع تقني هائل في استخداماته الإنسانية..
ومن ثم لم يبق لديك سوى الشفقة على هؤلاء الذين يمشون مسبلي الأكتاف، وأعينهم على الطريق عسى الالتقاء بالأفكار على قارعته، والصحيح أيضاً؛ أن الفكرة نفسها يُمكن أن تقدم بصياغات مختلفة، ويمكن لأكثر من مبدع أن يشتغل على إنجازها بالطريقة والصياغة التي يراها مناسبة، حتى تُمسي الصياغة نفسها عملية إبداعية في حدّ ذاتها، وربما من هنا جاءت مقولة إن الأفكار متوفرة، ويمكن أن يجدها المبدع على قارعة الطريق، وكل ما في الأمر؛ إن ما على المبدع إلا أن يُعيد صياغة الأفكار المتعارف عليها بشكلٍ مختلف، وبعمارة وبناء جديدين، فيما الإبداع الحقيقي لا يتجاوز (المليمترات) القليلة على الأصل، أو المُنجز السابق، لأن الإبداع الحقيقي يكون في الإضافة، وأي إنجاز لا إضافة فيه على ما سبقه، فليس فيه من الإبداع بشيء، إضافة مهما كبرت أو صغرت، أما (الإبداع– الخلق)، الإبداع الذي لا آباء له، فهو يبدو في حكم المستحيل، ويكذب كل ما يدعي إن (لا آباء له)، أو لا إخوة لمنجزه، وحتى لا أبناء، فالإبداع له آباء كثر، والمسألة الإبداعية اليوم وأمس وحتى في الغد؛ تكمن في الصياغة، مع أنّ الصياغة وحدها ليست الإبداع كله، وإنما نصفه، أو أكثر قليلا..
ليس اليوم من حقيقة لنص، يبدو أنه مقطوعٌ من شجرة، وإذا ما سلمنا أنه (مقطوع من شجرة)؛ إذا ثمة مرجعية له؛ هي تلك الشجرة التي قُطع منها..
الأفكار تحتاج لـ(بنات) رشيقات دائماً لتشكيل الموضة والموديل الذي يُناسب قدودهنّ!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار