يندرج التفريق بين التراب والرمل في سياق التفريق بين أقاليم الخصوبة وأقاليم التصحّر التي كانت محوراً فاعلاً في الأحداث والشخصيّات ضمن عدد من الروايات العربية الوازنة التي تتصدّرها أعمال عبد الرحمن منيف، مع التنويه بـ«النهايات» التي يرصد فيها نهايات أقاليم التراب بوصفها نهايات لأقاليم الخصب، وبداية لأقاليم الرمل، على حدّ سواء, التلاقي بين الرمل والتراب مبسوط على امتداد الجغرافيا العربية التي يضمّ كلّ بلد منها منطقة انتقالية بين الطرفين، وفي المنطقة الانتقالية تنشأ إشكاليّات طبيعية، واجتماعية، على المستوى الواقعي، وإشكالات موازية على المستوى الفنّي المشتغل على الواقع الإشكالي؛ بمعنى أن المنطقة الانتقالية تشكّل – موضوعيّاً وفنّياً – بداية للرمل ونهاية له، إذا كان المبتدأ هو الطرف القصيّ للرمل, وتشكّل أيضاً, بداية للتراب ونهاية له, إذا كان المبتدأ هو مركز الخصوبة.
في هذه المناطق الانتقالية التي ترسمها نهاية خطّ المطر, يخضع أبناؤها عموماً إلى ما يشبه تشويش الصفة الاجتماعية، على المستوى الجمعي، وإلى ما يشبه التشويش الشعوري على المستوى الفردي, والفنان القادر على معاينة هاتين الإشكاليتين الماثلتين في حالتي التشويش الجمعي والفردي، يتأتّى له – بما يشبه التلقائية – أن يضع يده على موادّ ثريّة بوعد المعالجة، ووعد الإنجاز البديع المرتبط بالقدرة الذاتيّة للفنان، وهذا بعض ما أنجزه الأردنيّان: غالب هلسا في روايته الكثيفة «زنوج وبدو وفلاحون», ثمّ كفى الزعبي في «ابن الحرام» مستثمرين في هذا السياق خصوصية الجغرافيا الأردنية التي يتوضّع فيها عموم السكّان على عموم امتداد خطّ المطر، ضمن المنطقة الانتقالية المشار إليها آنفاً بين أواخر الرمل وأواخر التراب، وبين بدايات الرمل، وبدايات التراب، على حدّ سواء.
يمنح هاني الراهب في رائعته «رسمت خطّاً في الرمال» قوام التراب أبعاداً أعمق ماثلة في قدرة ذرّات التراب على تشكيل وسط مناسب لاحتضان حياة البذرة، وتوفير ما يساعدها على ممارسة الإنتاش والإنماء، وتمكين النابت من متابعة النمو, ويمضي إلى مسافة أبعد عندما يربط الوسط الترابي بالوسط الاجتماعي الذي يعيش فوق التراب وعليه، بحيث يستطيع المتعايشون مع التراب القادر على تشكيل بيئة واسعة من الوسط الخصيب أن ينشؤوا حياة اجتماعية متماسكة بما يشبه تماسك ذرّات التراب القادر على احتضان الحياة ودفعها باتجاه النموّ، خلافاً لذرّات الرمل العاجزة عن الاحتفاظ بالرطوبة والعاجزة عن التماسك الكافي لتشكيل وسط مناسب لاحتضان الحياة النباتية، ثم الحياة الاجتماعية المتماسكة، حسب أطروحة الرواية.