ديمقراطية كلمة السر

يمكن القول إنه ليس من المستغرب ما نشهده من تصعيد أميركي تجاه روسيا والصين منذ تولي جو بايدن سدة الرئاسة الأميركية، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أثر تعاظم قوة هاتين الدولتين على الساحة الدولية لمواجهة الولايات المتحدة كقطب أوحد في قيادة العالم، والتوازن الذي حققتاه في التعامل مع العديد من الملفات والقضايا الحساسة على المستوى الدولي في مواجهة تفرد الإدارة الأميركية في اتخاذ القرار سابقاً وهو ما أدى إلى المزيد من الحروب وعدم الاستقرار في غير منطقة من العالم.

أيضاً ليس مستغرباً أن يتبع الاتحاد الأوروبي وحلف “ناتو” وبعض الدول الأخرى واشنطن في سياستها ضد موسكو وبكين، فقد بات واضحاً أن ذلك لا ينم عن ضعف إرادة أو عجز لدى حكومات وأحزاب تلك الدول فحسب، بل هو ناتج عن خلل بنيوي يجعل من الصعب عليها إنتاج قيادات قادرة على الخروج من تحت عباءة واشنطن وانتهاج سياسات مستقلة تخدم فيها مصالح شعوبها.

التصعيد الأميركي لم يقتصر على التصريحات والمواقف العدائية بل تجاوز ذلك ليصل إلى حد العمل على تشكيل التحالفات ضد روسيا والصين، وانتهاج سياسة فرض العقوبات والتلويح بالمزيد في المستقبل.

حملات التصعيد الرسمي الأميركي على الدولتين شهدت تعاقباً في الذروة، مع تولي بايدن السلطة، كان هناك تصعيد كبير ضد الصين، أتبع ذلك استخدام الرئيس الأميركي مؤخراً كلمات أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها غير اعتيادية وغير مسبوقة في وصف نظيره الروسي، لتعود بعدها الذروة ضد الصين.

الملفت أن وسائل الإعلام الأميركية كانت خلال هذه الحملات تتبع وترافق سياسة بايدن خطوة بخطوة وبشكل أقرب ما يكون إلى التهليل وتقديم الحجج لانتهاج مثل هذه السياسات، وكانت درجة اشتداد تصعيد اللهجة تنعكس تماماً على الإعلام الأميركي وخاصة في زوايا الرأي والافتتاحيات، وتخبو عندما ينتقل اهتمام مسؤولي الإدارة الأميركية إلى موضوع آخر، وهذا ما رأيناه بوضوح من خلال المؤتمر الصحفي للرئيس الأميركي الذي خلا من أي سؤال حول روسيا مع أنه جاء بعد أقل من أسبوع على وصف بايدن لبوتين بأنه “قاتل”، وهو ما استثمره بذكاء ملفت المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف عندما قال رداً على سؤال من أحد الصحفيين “إن غياب الأسئلة حول روسيا في المؤتمر الصحفي الأخير للرئيس الأمريكي جو بايدن، قد يعني أن “زمن تراجع نوبات الخوف من روسيا قد حل”.

نقطة إضافية كانت ملفتة استثمرها سلفه دونالد ترامب في التصويب على بايدن بقوله وأثناء مقابلة على قناة “فوكس نيوز” إن الصحافة وجهت للرئيس جو بايدن، خلال أول مؤتمر صحفي له منذ توليه منصبه، أسئلة سهلة، واصفاً الأمر بأنه سخيف “وأن الأسئلة كانت غريبة وقد تم طرحها بطريقة ممتعة للغاية”، وأضاف: الأمر بدا وكأنه “مجرد عالم مختلف، لم ير أحد شيئاً مثله”، وهو بذلك انتقد بشكل واضح أداء وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة.

من جانبها قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: إنه تم تحضير وإخراج المؤتمر الصحفي الأول للرئيس بايدن، بشكل مسبق، وأضافت: “لم أكن أتوقع أنه من الممكن في الولايات المتحدة، على هذا المستوى، تدبير وتطبيق فعاليات إعلامية.. في الآونة الأخيرة، تعرضت وسائل الإعلام الروسية للتمييز في الولايات المتحدة، واليوم نرى أن هذا التمييز أخذ يمس ليس فقط وسائل الإعلام الأجنبية، بل الصحفيين الأمريكيين أنفسهم: يجري نوع من الانتقاء للأسئلة، واختيار الصحفيين، ومنح حق السؤال لمجموعة واحدة فقط من الصحفيين””

لا شك بأن انتهاج وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة سياسة متطابقة إلى حد بعيد مع سياسات البيت الأبيض حتى لو كان ذلك في الترويج لتصعيد قد يصل إلى مرحلة خطيرة على الأمن والسلم الدوليين، وترتيب المؤتمر الصحفي الأول للرئيس الأميركي، يشير إلى اعتماد الولايات المتحدة نهج السيطرة والتحكم بوسائل الإعلام ويثير تساؤلات وإشارات استفهام عديدة حول “الديمقراطية “وحرية التعبير” التي تستخدمها واشنطن لاستهداف منافسيها بينما تتعامل مع وسائل إعلامها بديمقراطية كلمة السر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار