على ما يبدو أن البورصة لم تعد حكراً على تداول سلع معروفة بعينها، ففوضى الأسواق المتروكة على هوى مصالح التجار كسرت كل القواعد من دون تسجيل نقطة واحدة في حساب المواطن، حيث تتسع كل يوم قائمة السلع الغذائية الداخلة في بورصة الغلاء، فبعد تسجيل اللحوم بنوعيها مستويات قياسية دخلت الزيوت النباتية المنافسة بقوة لدرجة أصبح التفكير بإعداد البطاطا المقلية مثلاً حلماً لعائلات كثيرة بعد أن كانت تعرف بمأكول الفقراء.
اضطرار المواطن إلى شراء الزيوت النباتية بـ«الوقية» بفعل قدرة التجار المتلاعبين على جر سوق هذه المادة الأساسية أيضاً إلى «بازار المضاربة» سببه الركون إلى تجارة الاستيراد والتخلي بتخطيط مدروس عن توفير البديل المحلي و منح الاهتمام الكافي للقطاعين الزراعي والصناعي، وهنا قد يقول قائل إن الحرب على سورية فعلت فعلتها ودمرت معامل الزيوت وحرقت الأراضي الصالحة للزراعة، وهذا ما لا يمكن نكرانه، لكن أيضاً يمكن القول وبالفم الملآن أن الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة دخلت حيز الخدمة منذ تحريرها من الإرهاب وكان بالإمكان إعادة زراعتها بالمنتج الأولي للزيت كعباد الشمس والذرة، والمعامل المدمرة كان أيضاً بالمقدور إعادة تأهيلها أو أقله ترميم بعض خطوط إنتاجها عبر توجيه المليارات الموجهة إلى الاستيراد نحو هذا الهدف الضامن تدريجياً إلى تقوية الاقتصاد المحلي وتمكيننا ذاتياً بدل بقائنا رهن جشع المهربين وحيتان الاستيراد، الذين سيظلون يتحكمون بلقمة عيشنا ويسعرون السلع على «كيف» جيوبهم إذا لم تتوافر سلع محلية من إنتاج معاملنا تعتمد في موادها الأولية على خيرات أرضنا بحيث لا يتم اللجوء إلى المستوردات إلا للأمور الضرورية.
المضاربون في سوق الزيت النباتي تلقوا ضربة قوية من «التموين» في سابقة تحسب لها بعد سنوات من النوم العميق، ما قد يشكل عامل ردع وخوف للتجار المتلاعبين، الذين يحتاجون إلى كبسات إضافية شديدة بغية وضع حد لممارساتهم الجشعة والكف عن مزايد المضاربات التي يدفع المواطن ضريبتها، لكن الحل الجذري يبقى بالتوجه نحو دعم الإنتاج المحلي والاعتماد على الذات وخاصة في ظل هذه الحصار الاقتصادي الجائر، فالمضاربون والمستوردون المحتكرون لسلع بعينها سيبقون ينهشون الجيوب طالما هناك من يفضل إطعامنا وكسوتنا من منتجات الغير، من دون التفكير باستثمار مقدرات اقتصادنا المعروف أنه زراعي وصناعي بامتياز، والمعلوم أيضاً أن «توب العيرة ما بيدفي»، فهل يمكن أن تحدث هذه المعاناة المعيشية صحوة قريبة أم إن قائمة السلع الداخلة في البورصة ستتسع في ظل ترك الباب موارباً للمضاربين وأعوانهم الفاسدين؟