مخاطر سياسات الانفعال!..

أحد مستشاري ملكة بريطانيا ألف كتاباً في الثمانينيات بحث فيه أساليب اتخاذ القرارات السياسية في الدول على اختلاف أحجامها ومواقفها.

أهم ما في هذا البحث هو استنتاج المؤلف بأن الدول كلها تتخذ قراراتها بالأسلوب نفسه سواء كانت عظمى أو متخلفة، كبيرة أو صغيرة..

رأى في استقرائه لعمليات اتخاذ القرارات الكبرى في العالم أنه غالباً تسود مشاعر العاطفة والانفعال على متخذي القرارات ثم بعد فترة يتأكدون من أن قراراتهم كانت كارثية وأن أوطانهم خسرت بدل أن تربح عند تطبيق هذه القرارات..

قال الباحث مخاطباً قراءه: لا تظنوا أن الدول الصغيرة المتخلفة هي الوحيدة التي تتخذ قرارات اعتباطية بسبب ضعف المداخل المعلوماتية والمستوى المتواضع من البنى المساعدة على اتخاذ القرارات، لا.. إن الدول العظمى خاضعة مثلها للانفعالات والعواطف عند رسم السياسات على الرغم من امتلاكها لأدوات البحث والتدقيق المتطورة..

وعرض الرجل مجموعة من الأمثلة حيث أخطأ القادة أخطاء قضت عليهم وأضعفت دولهم، وأن أساس قراراتهم الخاطئة عوامل نفسية من أهمها الثقة الزائدة بالنفس والغضب والانفعال وشهوة الانتقام وغير ذلك من المؤثرات السلبية..

لو لم يكن نابليون بونابرت معتداً بنفسه اعتداداً غلب العقل والتدبير والحكمة لما اندفع نحو موسكو قاطعاً أوروبا كلها فانهزم على أبواب العاصمة الروسية وانتهى بعد ذلك تماماً في واترلو.

الخطأ نفسه كرره أدولف هتلر ثم هاري ترومان في كوريا ولندون جونسون في فيتنام؛ الخسائر كانت كارثية في هذه الأحوال كلها..

تجارب القرارات الكبرى غير المحسوبة كثيرة، لا مجال لذكرها في هذه العجالة، لكن الباحثين يميلون إلى أن عددها أكبر من عدد القرارات الحكيمة.

اليوم ما أحوجنا إلى الكثير من الحكمة والقدرة على التدبير في اتخاذ القرارات من كبيرها إلى صغيرها. أسمع من يقول ويكرر: لماذا لا نهجم هجمة واحدة لتحرير إدلب والجزيرة وينتهي الأمر؟ طبعاً يقول هذا متأكداً من صحة “قراره” وهو يشرب القهوة ويأكل الشاورما وليس موجوداً في خندق على جبهة إدلب أو غيرها من جبهات التصدي..

الانفعالات لا تسمن ولا تغني من جوع في الأوقات السهلة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالتصدي لهذه الآلة الحربية الإرهابية التجويعية الضخمة التي نتعرض لها منذ سنوات عشر؟..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار