حكايات
لم تترك الحكايةُ أمراً من أمور الحياة لم تتطرق إليه، حتى إن الكثير من شواغلها؛ يدخل في منحى الفلسفة والرياضيات، وحتى في مجال الخيال العلمي.. الحكاية التي تُشكّل الإرهاص الأوّل لمختلف أنواع الإبداعات.
ألم تبدأ جميع المرويات في العالم شرقاً وغرباً من ملحمة جلجامش، أو قصة الخلق الأولى في بلاد الرافدين.
بل إن تلك الملحمة هي بتقديري أول نص يُمكن اعتباره من “أدب الرحلات” وغيرها مما يُمكن اعتباره (أولاً) بحكم إنّ تلك الملحمة كانت – ربما – النتاج الإبداعي الوحيد الذي لم يقم على مرجعيات إبداعية سابقة له.
بمعنى إنّ أوّل النتاجات الإبداعية؛ كانت على هيئة حكاية، وإذا ما نظرنا لأهم نتاج إبداعي عالمي آخر؛ أثّر بدوره في كتابات الآلاف في مختلف أرجاء الكون، وفي الكثير من الفنون الأخرى غير الكتابة؛ فهي بالتأكيد حكايا (ألف ليلة وليلة) أو (الحكايا العربية) التي أمست نتاجاً عالمياً لكثرة ما تمّ الإضافة إليه في كلّ رواية جديدة لها، حتى جاء تدوينها لأوّل مرة، ووضع حداً للإضافات عليها سنة 1888م في بريطانيا.
ورغم تطور الحكاية لتذهب باتجاهات جديدة في القص والسرد، غير أنّ ثمة اليوم من يُعيد الألق للحكاية التقليدية، وفي سورية أصبح الاهتمام مُلفتاً فيما أطلق عليه “التراث اللامادي” حيث الحكاية أبرز أنواعه، وهكذا ظهر في هذا الميدان أكثر من موثق للحكاية: نزيه عبد الحميد، نبيل عجمية، حسن سلمون، مُنير كيّال وغيرهم، واللافت؛ إنّ كل موثق منهم كان ينسب ما يجمعه من حكايات لبيئته بحكم سماعه من معمري منطقته، وليس لسورية كلها، وفي تدقيق ما جمّعه هؤلاء في كتبهم، نجد أن مواضيع تلك الحكايات هي واحدة تقريباً، مُتشابهة في شواغلها وغاياتها في الكثير من المفاصل، حتى إنها في مُعظمها بذات الأسماء والاختلاف فقط في طريقة الرواية والسرد واختلاف اللهجة بين منطقة وأخرى، والملفت أيضاً أن كل موثق بين هؤلاء كان يصر على سرد الحكايات باللهجة المحلية لبيئته، بحجة إن الحكاية تفقد الكثير من خصائصها إذا ما سُردت باللغة الفصحى، وهو ما احتاج معه الموثق لهوامش كثيرة لشرح المفردات قد تأخذ حيزاً من الكتاب يفوق –أحياناً- ما احتاجته الحكايات نفسها.