أناسٌ يرمون «زبالتهم» في كل مكان من دون أدنى مراعاة لتعبِ عمال النظافة أو لجمال الشوارع أو لصحّة أولادهم الذين يلعبون بين ركام نفاياتهم ذاتها… هم أناسٌ لا يحبّون حيّهم حتى لو كتبوا فيه قصائدَ حنين على «الفيسبوك» أو رسموا وتباهوا بأن أطفالهم يرسمون حمائمَ سلام ومناظر طبيعية وغزالاتٍ شاردة!
أناسٌ يحرقون الشجر وينهبون مواقع آثار بلادهم لأنها مجرّد قِطع خردة أو ركام أحجار لا قيمة لها؛ هم أناسٌ لا يعرفون معنى الوطنية حتى لو بكوا دموعاً على فقيدٍ غالٍ لهم استشهد دفاعاً عن تلك المواقع الأثرية وتلك الغابات!
أناسٌ «يبيّضون» أموالهم زمن الحرب ويحوّلونها إلى عقاراتٍ لطبقاتٍ اجتماعية تعيشُ خارج الزمان مع أطفالها القادمين من كوكب زحل… هم أناسٌ لا يحبّون بلدهم حتى لو أسسوا جمعياتٍ خيرية ترفعُ شعاراتٍ «طنّانة ورنّانة» بحملاتٍ باذخة كما لو أنهم في بلاد «الباهاماس» أو «جُزر الواق واق» ولم تمرُّ مِدحلة الحرب فوقنا أبداً!
البارحة حضرتُ حفلة تكريم «مبهرجة» قامتْ بها شركة أطعمة ومنتجات غذائية شغلتْ أحدَ مسارح العاصمة الراقية بحجّة عيد الأم تضمّنَ برنامجُها أغاني راسخة في الوجدان السوري تمَّ مسخُ كلماتها وقسْر موسيقاها – بقوّة المال على ما يبدو- ليضعوا اسمَ هذه الشركة مكان كلمات الأغنيات الأساسية «يامو يا ست الحناين يامو» و«ستّ الحبايب يا حبيبة» والتي صِيغت أساساً لتمجّد الأم وتقدّس قيمتها في قلوب الناس وذكراها في عقول الأبناء… فبدتْ تلك الاحتفالية كما لو أنها حملة دعائية لماركة تجارية بلبوسٍ موسيقيّ ولم يكنْ ينقصها إلا بعض مأكولات ومنتجات تلك الشركة لتصبحَ «كوكتيلاً» حامضاً بنكهة مُرّة… أي والله!