الطريق إلى إصلاح “العام” ..!
بعد اجتماع اللجنة العليا لإصلاح القطاع العام الاقتصادي وما رشح عنه من عناوين تبشر بمستقبل أفضل لمؤسساته وشركاته الإنتاجية والخدمية، استطيع الجزم بأن جميع أمراض هذا القطاع أصبحت على طاولة أمهر جراح ولم يبق سوى وصف العلاج الشافي لكل مرض بالدواء أو الجراحة لا فرق المهم خروج المريض من غرفة العناية المشددة ..!
لكن .. كيف ؟
لقد سبق وأن توصلت لجان كثيرة تشكلت على مدى العقود الماضية وخلصت إلى نتائج مشابهة ولم يتحسن حال القطاع العام؛ بل على العكس كثرت أمراضه المادية والمعنوية وأصبح مرتعاً متكاملاً لسوء الإدارة واستغلال الوظيفة العامة؛ ومدرسة في تخريج الفاسدين القادرين على استخدام جميع ثغرات القوانين لمصالحهم الشخصية ، وتوسيع هذه الثغرات لتكون كافية لتغطية أخطاء كل من يعمل معهم؛ ضمن شركات هذا القطاع وخارجها؛ وسط غياب شبه تام للمساءلة والمراقبة؛ إلا على من “أصبح ورقة محروقة”.
لنكن متفائلين إلى حد الحلم بما سوف تقوم به تلك اللجنة في الفترة المقبلة ؛ إلا أن هذا التفاؤل يعد بمثابة حبل نجاة لبعض الإدارات الفاسدة لتبقى على كراسي النهب العام لأيام أو أشهر أو ربما سنوات قادمة بانتظار قرارات الإصلاح التي ستصدر لاحقاً .. في حين المطلوب اليوم وعاجلاً إحالة الكثير من الإدارات السابقة والحالية إلى القضاء لمحاسبتها على هذا الواقع المزري الذي وصلت إليه المؤسسات والشركات التي كانوا يديرونها، وفي الوقت ذاته حذف عبارة “عفا الله عما مضى” من قاموس المحاسبة واستبدالها بمبدأ “من أين لك هذا ..؟” .. وبعد ذلك لا بد من البدء بتوفير التمويل الكافي لتجديد الآلات وخطوط الإنتاج وتحديث التكنولوجيا التي تستخدمها الشركات العامة منذ نصف قرن، وصياغة قوانين جديدة – لا تعديل ولا ترميم – تواكب الأهداف الإنتاجية والتسويقية المطلوبة من القطاع العام وفق الرؤية المنشودة.
بصراحة .. من دون إدارات نزيهة ونشيطة وفاعلة في بيئة مؤسساتية مرنة ومتعاونة، وبين يديها التمويل الكافي لإنجاز جميع الخطط الاستثمارية والإنتاجية؛ بعيداً عن تعقيدات وقيود قوانين الشراء والبيع، وتستخدم أحدث الآلات والتكنولوجيا ومن خلفها العمالة الخبيرة والقادرة على تشغيلها، والأهم إمكانية تصريف المنتجات في الأسواق المحلية والخارجية .. لا معنى لكل الجهود المبذولة لإصلاح القطاع العام ..!!