تبادل العتب بين الثّقافة والتّربية واتّحاد الكتّاب ..!!

هل يستطيع المسرح المدرسي الوصول إلى أطفالٍ ولدوا في الحرب؟

الحديث اليوم عن المسرح المدرسي يختلف عنه في السّابق، ذاك أنّنا نتحدث عن طفل ولد وتربّى في سنوات الحرب على سورية، وعانى الفقد والجوع والتّهجير والنّزوح، ونضيف إلى كل ما تقدم؛ أزمة اقتصادية تحول دون تأمين أساسيات الحياة، ما يعني أن حضور عرض مسرحي طفلي أمر ثانوي، بل ربّما خارج نطاق تفكير الكثير من الأسر السّورية…
تحديات كثيرة
أمام كلّ هذه التّحديات العامّة، تبرز تحديّات خاصّة تعيق المسرح المدرسي من تحقيق الأهداف المرجوة منه، ولعلّ أهمّها النصّ المسرحي، يقول الأديب محمد الحفري: الكتابة للأطفال من أصعب الأجناس الأدبية لأنّه فن يحتاج إلى نهج مختلف في الكتابة، كما أنها بحاجة للموهبة، وتبدأ عادةً من الفكرة التي يمكن العمل عليها لتكون قصّةً أو حكايةً لتشكّلُ عموداً فقرياً للبناء الدّرامي، وبعدها يمكن تحديد منطقة الصّراع والوصول إلى الذّروة، ومن ثمّ الحوار الذي يعدّ أهمّ ما في البناء المسرحي، وكذلك الأمر بالنّسبة للشّخصيات التي يجب أن تكون كلّ واحدة منها مختلفة عن الأخرى، ومن هنا تأتي صعوبة الكتابة، مضيفاً: تبنّي الجهات لعمل معين ليس قاعدة، وهو لا يتمّ إلّا في حالات قليلة، وما يتمّ عادةً هو مجموعة توظيفات يقوم بها المعدّ أو المخرج ليقدّم مشاهد على أنّها عرض مسرحي، وأحياناً تكون العروض لنصوص عالمية، هناك هوّة سحيقة بين التّأليف والإخراج، وهناك مشكلة كبيرة بين ما يقدم وبين واقع الحال، أي علينا أن نكتب بطريقة نتجاوز فيها الغنم والفراشات، وهذه تقلل من قدرات الطفّل ومهاراته التي تتماشى مع التقنيات الحديثة.
أربع جهات
كما دعا الحفري إلى كتابة جديدة ينهض بها اتّحاد الكتّاب، ووزارة الثّقافة والكاتب ووزارة التربية فطفل اليوم يختلف كثيراً عن طفل الأمس، مبيناً: المسرح المدرسي كان يعمل بالشراكة مع اتّحاد شبيبة الثّورة، وتمّ الفصل بينهما قبل الأحداث بسنة أو سنتين، لذلك لا يمكننا الحكم عليه بسبب الحرب على سورية وتبعاتها، منوّهاً بضرورة الفصل بين الجهات التي تعمل ببطء والمنظمات ولاسيّما في المسألة المالية ونفقات العمل المسرحي.
الإخراج والوصول إلى الطّفل في هذه المرحلة الصّعبة عنصر آخر تمّت مناقشته في الملتقى الحواري “مكاشفات” الذي يقيمه فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب شهرياً، وخلاله توضّح المخرجة المسرحية سهير برهوم: العمل الضّعيف مسؤولية المخرج قولاً واحداً، لذلك عليه اختيار نص جيّد يستطيع تجاوز أيّ قصور فيه، فقد يزيد أو يحذف عليه ما يراه مناسباً، أي له حرية التّصرف به طالما اختاره، وبالنّسبة إليّ – تُضيف- أبحث واختار النصوص الأفضل والأنسب، لكن مع الأسف هناك قلّة قليلة ترقى إلى ما يريد ويرغب الطّفل ويهوى، وفي رحلة بحثي عن النّص الملائم كان علي أن أبحث عن نصّ فيه مقوّمات تتضافر مع بعضها حتّى تحقق متعة بصرية يشاهدها الطّفل، لأنّ الهدف التّربوي والسّلوكي يأتي بالمرحلة الأخيرة، فنحن نريد التّقرّب منه ومن نفسيته مع مراعاة عمره، فالطّفل الأربع سنوات يختلف عن طفل السّبع سنوات، منوّهة بأمر مهم جدّاً؛ وهو عدم وجود مسرح لليافعين لدينا.
فجوة مسرحية
وبالحديث عن جمهور المسرح الطّفلي والمدرسي، تقول برهوم: للأسف جمهورنا من الأطفال؛ هو جمهور محدود، وهناك ابتعاد عن الثقافة بشكلٍ عام، وإذا رجعنا أربعين سنة إلى الوراء نجد أنّ واقع الثّقافة أفضل من اليوم، ومع الأسف أيضاً التّراجع الثّقافي يتراجع طرداً مع التّقدم الزّمني وصيرورة الحضارة، وهذا أمرٌ مخيفٌ، فالتّطوّر التّكنولوجي يتغلغل بشكلٍ سلبي في المدارس، ويبعد الطّفل عن أي نشاط ثقافي أو فني أو رياضي، مضيفةً: جمهور المسرح الطّفلي هو الأطفال مادون سنّ السّادسة الذين يصطحبهم أهلهم معهم، أمّا ما فوق، فهؤلاء لا يهمهم أن يحضروا مسرحاً، نحن نعتب على وزارة التّربية حيث فيها موظّفين خريجين من المعهد العالي للفنون المسرحية، وعليهم تقع مسؤولية تنشيط مسرح الطفل.
النقد المسرحي .إضافةً إلى ما سبق يُعدّ النّقد المسرحي بشكلٍ عام فن أو كتابة، يمارسها قلة قليلة من الكتّاب فما بالنا بالنقد المخصص للمسرح الطفلي، يبيّن الكاتب والمخرج علي العقباني: إنّ الجانب النّقدي أساس ومهمّ ولا يوجد عمل إبداعي تتابعه الجماهير، أو يتمّ تطويره إلّا بآلية نقدية تستطيع الدّخول إلى العمل الفني وتقول عنه إنه جيّد أو سيء مع ذكر الأسباب، وباعتقادي لا يوجد حركة نقدية لمسرح الطّفل، ولا نريد التّشاؤم، لكن لا يوجد مناخ يشجع النّاقد المسرحي على تطوير أدائه ونشاطه وكتاباته النّقدية، وهنا لابدّ من التّذكير بأنّ النّقد المسرحي ليس البحث عن الأخطاء، بل النّقد هو المقدرة على الدّخول إلى عمق الحالة المسرحية، والحديث عن الشّخصيات والحركة والتّمثيل والأفكار والدّراما، أما بالحديث عن منابر النّقد المسرحي الطّفلي فيوجد لدينا ثلاثة منابر رسمية وبسبب الكورونا صارت تصدر إلكترونياً فقط ويضاف إليها مجلة الحياة المسرحية، لكن إذا اعتبرنا أنّ ما يكتبه البعض على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي نقداً؛ فهذا يعني أنّنا وصلنا إلى الهاوية.
بدوره، يقول مدير تحرير مجلة الحياة المسرحية جوان جان: هناك قسم للدّراسات والنّقد في المعهد العالي، لكن معظم من يتخرّج منه لا يمارس النّقد ولا العمل المسرحي، بعضهم اشتغل في الكتابة للإعلام فقط، طبعاً العمل المسرحي لا يغني صاحبه لكن من الممكن أن يتواصلوا ويكتبوا ويقدموا شيئاً في هذا المجال.
ويتحدّث جان عن دور مديرية المسارح فيقول: العمل المسرحي الطفلي صعب جداً، وليس سهلاً، والمديرية تقوم بما تستطيع ضمن إمكانياتها وميزانيتها، وضمن مسرح صغير جداً، هو مسرح العرائس، ولا يمكنه سوى تقديم أعمال محدودة الإمكانية، وعندما يطلب المخرج مسرحاً كبيراً؛ لا يجد، لأن المسارح تكون محجوزة ومشغولة بعروض الكبار.
تبعات الحرب
تحديات كثيرة ليس بجديدة لكنّ تبعات الحرب على سورية وأزماتها، تتطلّب تكافل وتعاون وتشابك جميع الجهات لبناء طفل سليم العقل والرّوح، ويضيف جان: الطّفل مستعدّ دائماً للتّفاعل مع المسرح أكثر من الكبار، وهناك جوّ اجتماعي للمسرح الطّفلي، لكنّه ليس مثالي، وما نزال بحاجة للتّوسّع الأفقي، بحيث يكون هناك مسرح للطّفل في كلّ حي، مضيفاً: لا يمكننا الحديث عن عرضين مسرحيين أو ثلاثة، ونقول لدينا مسرحاً طفلياً كما أنّه لا يمكن لمديرية المسارح أن تقدّم حفلين أو ثلاثة، وتقول لدينا مسرح طفل، كذلك علينا التّوسع في نشر النّصوص المسرحية الخاصّة بالطّفل، وهذه مهمّة وزارة الثّقافة واتّحاد الكتّاب، كما أننا بحاجة إلى تشجيع التّجمعات المسرحية الخاصّة ومراقبتها، لأنّنا في الواقع نسمع كثيراً عن عروض تجارية؛ همّها الرّبح المادي فقط من دون أن يكون لديها هدف تربوي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار