أهي القوة الشرائية أم سعر الصرف في الصين؟!
قال علامتنا الكبير ( ابن خلدون ) قبل أكثر من /600/ سنة (عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والأفاقون والمتفقهون والانتهازيون وتعم الإشاعة وتطول المناظرات وتقصر البصيرة ويتشوش الفكر)، تذكرت هذه المقولة عندما قرأت مقالة اقتصادية تقارن بين ( الصين وأمريكا ) وهي لكاتب أمريكي، ويؤكد أن الاقتصاد الصيني تجاوز الاقتصاد الأمريكي سنة /2020/ !، فقلت بيني وبين نفسي قد يكون هذا الاستنتاج مبكراً لأن أغلب الاقتصاديين يتوقعون أن يحصل هذا سنة /2025/ وليس سنة /2020/ ، ومع قناعتي بأن الصين بدأت رحلة الألف ميل بخطوة وأنها اعتمدت في مسيرتها الاقتصادية حكمتها المفضلة (من استهان بالوقت نبذه الزمن)؟!، وأنها استثمرت في الإنسان كما تقول الحكمة اليونانية ( إذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة ولمئة سنة فازرع إنساناً )، وأن الصين لم تستسلم للضغوطات الغربية وخاصة الأمريكية وبأنها حولت أزماتها وكوارثها إلى فرص انطلاقاً كلمة (كارثة) تتكون من مقطعين وهما ( الخطر ) و(الفرصة)، وركزت على تسخير كل شيء لتحقيق انطلاقتها الاقتصادية وتحسين مستوى معيشة شعبها عن طريق ( هيبة الدولة )، وأنشأت فكراً يعتمد على تلقين الشباب حكمتهم وهي (إذا كنت تحب ابنك فاجلده، و إن لم تكن تحبه فامنحه السكاكر) وقد تكون هذه الحكمة قضية خلافية لكني أحترم رأيهم، وأمام كل هذا قلت بيني وبين نفسي يجب أن أحتكم إلى لغة الأرقام وهي أصدق لغة، وأن يكون هذا من مصادر غربية، وتبيّن لنا أن الصين ( ثاني اقتصاد في العالم ) خططت للقضاء على الفقر سنة /2020/ وأنجزت ذلك وأخرجت حوالي /100/ مليون من الفقر المدقع، وتم ذلك من خلال التعشيق والتشبيك بين الاقتصادين الزراعي والصناعي، وركزت على أرضها وصناعتها وزيادة الإنتاجية وتوسيع المراكز البحثية وتطويرها، وربطت الإنتاج بمتطلبات السوق فتحولت إلى ما يشبه المعمل الشعبي العالمي وورشة تصنيع عالمية، حيث لا يوجد بيت ولا مكتب ولا شارع تقريباً إلا وفيه أثر صيني وأنه ورغم جائحة الكورونا حققت معدل نمو سنوي لسنة /2020/ بمقدار /2,3 %/ ليكون الاقتصاد الأول الذي يخرج من الانكماش الاقتصادي العالمي متجاوزة توقعات صندوق النقد الدولي /2%/ ، بل بدأت في الربع الرابع من سنة /2020/ تتعافى من كل تداعيات كورونا وبلغ معدل النمو الاقتصادي بحدود /7%/ ، وتجاوز ناتجها /15/ تريليون دولار وزاد متوسط نصيب الفرد عن /10/ آلاف دولار ومعدل البطالة أقل من /6%/ وتم استحداث حوالي /12/ مليون فرصة عمل سنة /2020/ والعالم كله مغلق بسبب كورونا ؟!، ونتيجة ذلك قال الاقتصادي الأمريكي (غراهام أليسون): إن الأمريكيين يرفضون الإقرار بأن الصين أزاحت الولايات المتحدة لتتربع على عرش الاقتصاد العالمي ومن جهة أخرى حافظت عملتها ( اليوان ) بشكل نسبي على قيمتها منذ سنة /1948/ حيث إن سعر الصرف للدولار هو بحدود /8/ يوان + هامش تذبذب بحدود /10%/ ، والدليل العملي على ذلك هو أن المستهلك الصيني يشتري بكمية /7/ يوان/ ما يعادل كمية ما يشتريه الأمريكي بدولار ؟!، بل أكثر من هذا أن مؤشر الاستهلاك وهو من المؤشرات الاستهلاكية الهامة والمعتمدة دولياً يؤكد أن [ المستهلك الصيني يستطيع شراء شطيرة هامبرغر نوع ( بيك ماك ) في بكين مقابل /21/ يواناً، وفي حال قام بتحويل هذا المبلغ بسعر الصرف الحالي سيحصل على /3/ دولارات والتي ستشتري له فقط نصف شطيرة “بيغ ماك” في الولايات المتحدة] ؟!، وهذا ينطبق على الهواتف الذكية وصولاً إلى الصواريخ والقواعد البحرية …الخ، ولديهم قناعة بأن سعر الصرف هو نتيجة وليس سبباً وأن القوة الشرائية هي الأساس، وهذا ينسجم مع تأكيد صندوق النقد الدولي بأن الاستخدام قد يؤدي إلى تقلبات كبيرة جداً في مقاييس النمو الإجمالية للدول ولاسيما في حساب قيم الناتج المحلي الإجمالي، وتخطط الصين لزيادة ليكون الإنفاق على البحث والتطوير وتعزيز التنافسية معتمدة على استغلال كل متر مربع وكل طاقة إنتاجية متاحة والجمع بين التوجهات الحكومية وممارسات القطاع الخاص، ووضعت خطة (المزايا الخمس (DS5) ) وهي [القيادة العازمة – المخطط التفصيلي – التوجه التنموي – الحوكمة القائمة على البيانات – التقديم اللامركزي] لاستمرار انطلاقتها المجتمعية، وأكد البنك الدولي بأن مبادرة الحزام والطريق الصينية ستخرج /8/ ملايين شخص من الفقر المدقع و/32/ مليوناً من الفقر المعتدل في جميع أنحاء العالم، فهل بدأت معالم الفكر الاقتصادي الصيني تترسخ على الأرضية العالمية من خلال قوة اليوان الشرائية وليس سعر الصرف؟!.